كأننا نيام والدنيا أيضا!

TT

نظرية: معظم الناس يمشون في الشوارع وهم نيام أو كأنهم نيام!

فمثلا: إذا وقف شاب في الشباك ورأى فتاة تعبر الشارع.. من الممكن أن يكمل هذا الحادث البسيط على النحو التالي: الفتاة الجميلة الرشيقة تعبر الشارع، الهواء يرفع ثوبها قليلا ويضغطه حولها. إحدى السيارات توقعها على الأرض ولا تقتلها.. الشاب ينزل بسرعة يشق طريقه بين الناس.. الناس يفسحون له الطرق هو ينحني عليها.. يحملها.. تفتح عينيها.. يرى الامتنان اللامع فيضمها أكثر، يحملها إلى البيت لأنه أقرب من أي مستشفى، ينصرف الناس، تفيق الفتاة من صدمتها.. وبسرعة يولد الحب في قلبين في جسمين.. ويتم الزواج عندما يدق باب غرفته ويفيق الشاب من الحلم.. إنه حلم يقظة..

ويحدث شيء آخر: الشاب ينظر من النافذة مرهقا، فنحن في أيام الامتحانات، يتخيل نفسه قد عبر الشارع.. الأتوبيس قد داسه.. مات.. والجنازة في الشارع، يرفع غطاء النعش ليرى من هم أصدقاؤه الذين ساروا في جنازته، إنه حريص على أن يعرف الصديق من العدو.. وعلى أن يرى مدى حزن أبيه عليه.. فهو يعتقد أن أباه يحب أخاه الأكبر أكثر منه، وأن أمه تحب أخته أكثر منه.. ويفيق على صوت فرملة صارخة في الشارع..

إن هذا الشاب يشكو من العلوم الصعبة.. ومن ضيق الوقت وحرارة الجو والضوضاء التي تحدثها أجهزة وآلات العمال أثناء حفر نفق الكوبري الجديد! وهي لا تعمل بهذا النشاط إلا في ليالي الامتحان.. منتهى الوعي بمتاعب ومشاعر الناس!

وليس الإنسان في حاجة إلى أن يقف في الشباك يحلم.. وإنما يحدث أن يمشي الإنسان وهو يحلم. إننا مأخوذون من أنفسنا، مسحوبون من أوهامنا ومخاوفنا ورغباتنا، نحاول أن نحققها.. محاولة التحقيق تجعلنا نفتح عيوننا ولا نرى. كأننا نيام، وكأن الدنيا كلها سرير.. وكأننا ننام بالطول، ولسنا سعداء دائما لدرجة أن الأبواب والفرامل هي التي تعيدنا إلى الحياة.. وإنما يحدث كثيرا أن توقظنا فرامل حقيقية وأن تنفتح في رؤوسنا الأبواب والنوافذ، وأن ننتقل من الشارع إلى سرير حقيقي في أحد المستشفيات لأننا نيام.. أو لأننا نمشي ونجلس ونروح ونجيء ونتحدث ونحن نيام.. لأن الحياة نوم متقطع. أما الموت فهو النوم العميق ـ كلنا كذلك!