بتطوير قواعد اللعبة يمكن هزيمة «طالبان»

TT

وعورة الأراضي الأفغانية وسعة ساحة القتال وتداخلها مع مناطق القبائل الباكستانية، والإمداد الخارجي، وشعور البشتون بضعف مشاركتهم في السلطة بالرغم من أن الرئيس حامد قرضاي منهم، عوامل أدت إلى إطالة أمد الصراع في أفغانستان، أضيف إليها التلكؤ السياسي بزج الجيش الباكستاني لمعالجة «طالبان» باكستان قبل عمليات سوات الأخيرة، وعزوف العديد من دول الناتو عن دعم قوات التحالف بوحدات قتالية، وغياب المشاركة الدولية من خارج الحلف، لعدم تقدير حالة الخطر التي تترتب على الفشل، وأتاحت هذه العوامل مجتمعة الفرصة لـ«طالبان» لالتقاط أنفاسها. وكلما تزايدت الخسائر البشرية ألقت عبئا مضافا على احتمالات المستقبل.

التهديد القادم من أفغانستان وباكستان لا يتحدد أفقه في أوروبا، بل يشمل عشرات الدول، في مقدمتها روسيا والصين. لذلك يفترض وقوف هاتين الدولتين، وغيرهما، وقفة موحدة في عملية إرساء السلام، من خلال الدعم المالي لحكومتي باكستان وأفغانستان لتعزيز قدراتهما العسكرية وإقامة مشاريع لتقليل حجم البطالة، أحد أهم عناصر نمو الإرهاب. ويفترض قيام هاتين الدولتين بدعم قوات التحالف بتشكيلات قتالية وليس اتخاذ موقف اللامبالاة، وربما الشعور بالارتياح لتحمل بعض الدول الغربية تكلفة الحرب وحدها.

ما حققته قوات التحالف عموما والقوات الأميركية والبريطانية تحديدا يعد إنجازا كبيرا، وفّر فرصة جدية لحكومة كابل لترتيب أوضاعها، وأفقد «طالبان» المبادأة وأبعد شبح سيطرتها على المدن، وقلص قدرة «القاعدة» على شن هجمات في الغرب والعديد من الدول الأخرى.

حرب على غرار ما يجري في أفغانستان تشكل عبئا ماليا على الدول الرئيسية المشاركة فيها، بينما تعتمد «طالبان» على مقاتلين بتجهيزات خفيفة وإمدادات غذائية بسيطة، ويمكن لعناصرها التعايش في القرى والمغارات والاختفاء في محيط صعب. كما أن طرق التهريب مفتوحة مع دول الجوار، وما يصلها من إيران ومناصريها في باكستان ومن وسط آسيا يساعدها على إدامة قتال طويل الأمد، خصوصا بعد إدخال العبوات الناسفة وثقافة الانتحاريين في برامج عملياتها. ومن بين أكثر ما يشكل خطرا مستقبليا أن تحصل على مقذوفات أرض ـ جو قصيرة المدى، لأنها ستؤثر نوعا ما على عمليات الصولة الجوية والنقل الجوي التعبوي.

كسب السلام في أفغانستان يتطلب ربح الحرب، وهذا يمكن تحقيقه بإدخال تعديلات على استراتيجية التعامل مع المعضلة، وأول هذه التعديلات ألا يسمح بتكرار لعبة إيرانية على غرار ما قامت به في العراق. فبرغم الاختلافات بين الوضعين العراقي والأفغاني، فإن حاجة «طالبان» إلى السلاح يجعلها مستعدة لتقبل ما يقدمه فيلق القدس، ولم يعد معقولا إعادة التعامل بالطريقة التي اتبعت في معالجة التدخلات الإيرانية في العراق، أو السماح بنقل اللعبة الإيرانية إلى أفغانستان وباكستان، حتى لو تطلبت الحال قرارا استراتيجيا ينطوي على تلويح قوي لردع مراكز دعم الإرهاب الإيراني من التدخل في الشأن الأفغاني، كي تفهم رؤوس الإرهاب في هذه المراكز أن جحور التخطيط لن تكون في مأمن من عقاب (صارم)، إذا ما ضُبطت مستقبلا تجهيزات ومساعدات إيرانية لـ«طالبان». أما وضع أسماء مسؤولين على قائمة الممنوعين وتجميد تعاملاتهم الحسابية فلا يجدي نفعا، وأمن العالم ليس لعبة بيد متحجرين. لتفكيك «طالبان» لا بد من التعامل مع القوى المعتدلة فيها، وعزل من يركب رأسه، وليس تعميم فلسفة تحريم التعامل التي طُبقت في بداية الأمر تجاه الجماعات المسلحة العراقية، قبل تغيير قواعد التعامل إلى صيغ أدت إلى عزل «القاعدة» وإلحاق ضربات قوية بها. وعمل كهذا يتطلب جهدا استخباريا كبيرا يمكن للأجهزة الباكستانية الاضطلاع بدور رئيسي فيه، لمعرفتها الدقيقة بتاريخ وقدرات ومفاصل «طالبان». ويمكن لدول خليجية المساهمة في حل عقد بعض مكونات «طالبان»، بحكم قاعدة المعلومات المفترضة لديها عن الشخصيات المهمة في الحركة. وبما أن المجتمع الأفغاني قبلي فمن الضروري إقامة أفضل العلاقات مع رؤساء القبائل، ودعمهم بمقومات التصدي لـ«طالبان»، وجعلهم يتمتعون بنفوذ في الحكم بقدر تأثيرهم الاجتماعي ومساهمتهم في تحقيق الأمن. وينبغي أن يتحمل الأفغان مسؤولية حماية بلدهم ومساعدتهم في بناء قواتهم ودعمهم من صندوق دعم (دولي) وليس على حساب عدد محدود من الدول، لأن الجنود الذين يقاتلون على الساحة الأفغانية إنما يقاتلون نيابة عن العالم نظرا للعلاقات الوثيقة بين «طالبان» و«القاعدة»، وكانوا سببا مهما في عدم حصول عمليات إرهابية في مدن كبرى. وعلى باكستان تشديد إجراءات منع ثقافة التحريض في بعض المدارس الدينية.

[email protected]