ولكن هل سيستمعون يا شيخ سلمان؟

TT

كتب ولي عهد مملكة البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة مقالا لافتا في عدد أمس من هذه الصحيفة ذكر فيه بأهمية أن يتحدث العرب مع إسرائيل حتى تكتب لمبادرات السلام فرص النجاح وأن تجني ثمارها. الشيخ سلمان من رموز الاعتدال في العالم العربي وخطابه الموجه للغرب في المحافل الدولية المختلفة، كان دوما ما يحظى بالثناء والمديح. ومقاله الأخير من الممكن تصنيفه في خانة الحث على النجاح ونقد الذات والتفكير بإيجابية صريحة. ولكن حقيقة الأمر أن العرب قدموا الكثير من مبادرات السلام بأشكال مختلفة لم تلق سوى الصد والرفض، بل والإنكار وإضافة شروط تعجيزية من الجانب الإسرائيلي. مبادرات بأشكال مختلفة من خلال أفكار معلنة أو محادثات جانبية بين السرية والعلنية. سواء تذكرنا المحادثات السرية بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والحكومة الإسرائيلية وقتها أو مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات أو مبادرة الملك فهد في قمة فاس العربية بالمغرب أو اتفاقية وادي رم بالأردن أو نهر واي أو اتفاق أوسلو أو خارطة الطريق وطبعا المبادرة العربية للسلام القائمة حاليا، والتي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. كل هذه المبادرات والمحاولات لم تسفر عن شيء حقيقي شامل وكامل يظهر نية إسرائيل ورغبتها للعيش بسلام جاد وسط جيرانها بالمنطقة. المشكلة يا شيخ سلمان ليس في «الحديث» العربي ولكن في «الاستماع» الإسرائيلي، إسرائيل ترفع السقف كل مرة وتدخل شروطا مستحيلة في معادلة السلام كطلبها من العرب «إبطال المشروع النووي الإيراني» والاعتراف «بيهودية دولة إسرائيل» وكلها طبعا تدخل في إطار «اللامنطق».

الحديث في اعتقادي يا شيخ سلمان يجب أن يكون مع حلفاء إسرائيل الولايات المتحدة وأوروبا (وهي الشريان الرئيسي المغذي لوجودها)، وذلك بلغة المصالح اليوم في ظل تغير جيو سياسي هائل في العالم وظهور المارد الصيني بشكل فعال بات وضع العالم الإسلامي بالنسبة للدول الغربية في غاية الأهمية كخط دفاع رئيسي أمام المد الصيني واضمحل الدور التاريخي الإسرائيلي كحليف للغرب بعد انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي. المشكلة الحقيقة تكمن في عدم وجود سقف أخلاقي لإسرائيل، فهذه الدولة (التي لها وضع لا مثيل له) هي دولة بلا حدود ولا تعاقب لمخالفاتها المواثيق والقرارات الأممية ويبارك لها حين تقوم على إعلان نفسها كدولة عنصرية ذات تمييز عرقي فاضح، ومع ذلك يقبل منها بلا خجل ولا حياء.

الحديث والضغط يجب أن يكون مع حلفاء إسرائيل بلغة المصالح، وهذا ما نجحت فيه الهند وجنوب أفريقيا من قبل وهي معادلة ناجحة جدا ومثبتة. إسرائيل تعلم جيدا تفاصيل كل المبادرات العربية للسلام، ومع ذلك استمرت في مخططاتها التوسعية في المستوطنات وسرقة الأراضي وتكديس السلاح بما فيه السلاح النووي (تقدر الآن القوة العسكرية النووية لإسرائيل بـ 400 رأس نووي). إسرائيل لا تستطيع العيش بلغتها «الخاصة» وسط عالم مختلف، فإما أن تتحدث بلغة العهد القديم والتوراة والتلمود والزبور أو تتحدث لغة اتفق عليها باقي العالم، وهي لغة القرارات والمواثيق الدولية. حاسة السمع عند إسرائيل معطلة ولن تلتفت للعرب طالما استمر «الضخ» المعنوي والمادي والسياسي من حلفائها، وعليه فالأولوية يجب أن تكون مع الحلفاء وليس مع إسرائيل.

[email protected]