من تأجيل إلى.. تأجيل

TT

يصعب حصر عدد مرات تأجيل الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي يجري برعاية القاهرة للوصول إلى اتفاق مصالحة بين السلطة الفلسطينية الحاكمة في رام الله وحركة حماس الحاكمة في غزة، ووسط التصريحات المتضاربة التي ترفع التوقعات في بعض الأحيان لتعود مرة أخرى تصريحات أخرى لتخفضها ضاعت التفاصيل، وبقيت حقيقة الأمر الواقع وهي الانقسام الفلسطيني بين رؤيتين متناقضتين بما يجعل الطرف الآخر في القضية الأهم وهي التفاوض للوصول إلى الدولة الفلسطينية يقول إنه لا يوجد من يتفاوض معه.

ولا تعكس المواقف والتصريحات الحالية تفاؤلا بأن الموعد الجديد لاستئناف الحوار في 25 أغسطس المقبل سيكون الجولة الأخيرة، فالجانبان وهما في الأساس فتح وحماس مواقفهما ما زالت متناقضة بشكل كبير، وليست هناك دلائل على وجود إرادة سياسية حقيقية في الوصول إلى تعايش أو صيغة مشتركة، فما يبدو هو أن الطرفين في لعبة استهلاك للوقت في انتظار تطور أو شيء ما.

وحديث الانتخابات وهو أحد عقد التوصل نموذج على حالة الانتظار هذه فكل يوم هناك تصريح بشأن اتفاق يصدر بعده نفي كما حدث أمس، حينما سربت مصادر اتفاق الجانبين على تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يناير المقبل في ظل تعثر الحوار، لتسارع حماس بنفي وجود اتفاق على ذلك، من جانبه طرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس انتخابات فورية للخروج من المأزق، بينما ترى حماس منذ البداية أنه يصعب إجراء هذه الانتخابات بدون وجود اتفاق، وهكذا يظل الوضع على ما هو عليه.

على الجانب الآخر، فإن الزخم الدولي في اتجاه الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية بعد انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما بدأ يخفت، والخلاف الفلسطيني يخفف الضغط على إسرائيل المنخرطة في خلاف مع الإدارة الأميركية حول قضية الاستيطان.

واتجاه الحركة يؤشر بأن مسار وساطات وجهود السلام في المنطقة، يتجه إلى إعطاء الأولوية إلى المسار الآخر، وهو المسار السوري باعتباره المدخل الذي سيسهل حل البقية، على اعتبار أن القضية فيه واضحة، وطرفا التفاوض فيه يمكنهما تحمل مسؤولية وتنفيذ القرارات التي سيتفقان عليها برعاية أو وساطة أميركية في نهاية الأمر.

ولعل هذا هو تفسير مسألة انتظار تطور أو شيء ما خاصة من جانب حركة حماس التي توجد قيادتها في دمشق وتحتاج كما قالت مصادرها إلى غطاء إقليمي بشأن أي اتفاق، ويمكن فهم منطق هذا الانتظار في ضوء أن الإدارة الأميركية لم تقم بعد بتحركها الرئيس تجاه مقاربة عملية السلام في المنطقة، وحتى الأطراف الإقليمية المعنية لم توضح بعد كيف ستتعامل مع مطالب واشنطن بأن تقدم مبادرات وأفكارا، لكن المشكلة التي يواجهها الطرف الفلسطيني هي أن الانقسام يتكرس يوما بعد يوم بين غزة ورام الله ليجعل تسوية الخلاف أكثر صعوبة، بينما يصبح الطرف الفلسطيني هو الأضعف في حلقة التفاوض الأشمل، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه فلا يستغرب أحدا أن يتكرس أمر واقع هو كيانان أو إمارتان فلسطينيتان تبحثان اتحادا كونفدراليا مع الاحتفاظ بالحكم الذاتي لكل منهما!