ليس صحيحا أنهم يخافون إيران

TT

للسيد محمد حسين فضل الله، المرجع الشيعي المعروف، رأي في المواجهة الإيرانية الأميركية يقول فيه إنه لا يعتقد أن واشنطن ستهاجم إيران، وذلك خشية على مصالحها في أفغانستان والعراق وباكستان. ويرى أن إيران دولة كبرى إقليمية قادرة على إزعاج الأميركيين في المنطقة.

وقبل أن أجرب حظي في نقاش هذه الفرضية ربما من المفيد أن أذكّر بالسنة التي سبقت غزو العراق وإسقاط نظام صدام، فقد كان عام 2002 حافلا بالانفراجات التي هطلت على النظام المحاصر. انفتحت عليه أطراف كثيرة قرأت خطأ أن صدام تمكن بعناده أن يفرض واقعا جديدا. والنظام ظنها نهاية الأزمة، وهو يشاهد بأُم عينيه وفودا تجارية وسياسية غير رسمية تفد على العاصمة بغداد من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والخليج تبارك وتتاجر وتنافق. هبطت الطائرات الضخمة في المطار الذي عاش مهجورا أحد عشر عاما، في عمليات خرق للحصار متتالية جعلت وزراء مثل طارق عزيز وطه ياسين رمضان وناجي الحديثي يتحدثون بثقة عن نهاية الحصار، ويسخرون من رواية الغزو المحتمل التي كانت واشنطن تسرب أخبارها.

الآن نرى أن صدام كان ضحية قراءاته الخاطئة، خصوصا أنه كان يفضل الاستماع للذين يشجعونه على العناد، وينفخون غروره بأن لا أحد يقدر عليه. وكان هو نفسه يردد متحديا، لو أن الولايات المتحدة هاجمت نظامه سيدمر المنطقة، وسيعيد مئات الآلاف من الأميركيين في أكفان.

إيران أكبر من العراق، ونظام الجمهورية الإسلامية أقوى من نظام البعث العراقي، والمواجهة ستكون أصعب، كل هذه حقائق، إنما في السياسة توزن الخيارات ولا ينظر إليها منفردة. الآن اقترب العالم من إشكال يجب حسمه، وصارت إيران قاب قوسين من استكمال مؤسساتها لإنتاج سلاح نووي. وفي أوروبا والولايات المتحدة باتت التصريحات واضحة بأنهم لن يسمحوا بذلك، ومستعدون من أجل وقف المشروع الإيراني لتقديم الحوافز والتنازلات المعقولة، ولو رفضتها إيران فإنها الحرب.

رأي السيد فضل الله صحيح أن إيران دولة إقليمية كبيرة وقادرة على الإضرار بالمصالح الغربية، ليس فقط في الثلاث الدول التي ذكرها، بل أهم من ذلك في منطقة الخليج البترولية. هنا تصبح المفاضلة بين الخوف من التخريب وبين تمكين إيران من سلاح تدميري آثاره أعظم ألف مرة من التخريب بالأسلحة التقليدية. الأرجح أن الإجابة هي الحرب المدمرة لا مهادنة إيران.

الذين يريدون لإيران الخير، وللمنطقة السلامة، عليهم ألا يراهنوا على فرضيات سلام غير مؤكدة، بل على العكس شواهد الحروب تاريخيا هي الأكثر، وتؤكد أن استخدام القوة عادة هي الخيار المحتمل. فإيران بالنسبة إلى العديدين دوليا مشكلة مزمنة، ويرون أن تهشيم نظامها يستحق المخاطر التي قد تفرزها من قلاقل وحروب.

لنتذكر أن صدام بالفعل تحدى الحصار، صمد ونجح، لكنه جلب على نفسه الحرب التي ظنها مستحيلة. وعبر عن ذلك في المحكمة عندما قال كلمته الشهيرة للمدعي العراقي الذي فاخر بإسقاط نظامه. قال له: «لولا الأميركان ما كنت ومن معك تقدرون علي».

لا أتصور أن إيران قادرة على رد حرب كبيرة، خصوصا أنها تعاني اليوم من انشقاق داخلي خطير. ولا بد من القول أيضا إن الحرب ليست من صالحنا جميعا في المنطقة، حتى الذين يتمنون زوال نظام أحمدي نجاد. جميعنا في دائرة النار، لكن رأينا ومخاوفنا لا وزن لها في الحسابات الكبيرة.

[email protected]