دخول المصيدة بأعين مفتوحة

TT

يصر الجمهوريون على معارضة ترشيح قاضية فيدرالية بارعة من أصول لاتينية في منصب في المحكمة العليا، مما يزيد من نفور الناخبين ذوي الأصول اللاتينية الذين أبعدهم الحزب الجمهوري عنه. ومن المحتمل أن يتعلق الخط الأساسي للانتقادات الجمهورية بإجراء إيجابي، وهو ما قد يستفز المتطرفين المحافظين إلى أقصى درجة متوقعة ويؤكد على صورة الجمهوريين كحزب للرجال البيض. لم يكن اختيار الرئيس أوباما للقاضية سونيا سوتومايور سلبيا؛ إنها تعكس تحديدا فلسفته القضائية في «التعاطف». ولكنه ما زال مصيدة، ويجب تجنب بعض المصائد تماما، وها هي حالة يجب فيها التجنب التام. يمنح الدستور الرئيس دورا حاسما في عملية الترشيح. إنه يستحق احتراما واسع النطاق لاختياراته القضائية، وتبدو قصة سوتومايور ملهمة، فهي ذات خبرة ومؤهلات، وقد أظهرت قدرتها على تطبيق القانون بعدالة، وعلى سبيل المثال في تأييد حقوق المتظاهرين ضد الإجهاض، وأنهت إضراب البيسبول في عام 1995. ومنعا للاكتشافات الأخلاقية غير المتوقعة تبدو معارضة سوتومايور ذات خطورة سياسية وبلا جدوى في النهاية.

ولكن ما زال على الجمهوريين دخول المصيدة بأعين مفتوحة ودون انتظار للفوز، وليس من أجل هزيمة المرشحة، بل من أجل الحفاظ على المبدأ. والمبدأ بسيط: يجب أن تكون المحكمة مكانا يتم الحكم فيه على الناس دون تحيز كأفراد. ويعترض مذهب أوباما وسوتومايور في «التعاطف» على هذا المعتقد القديم الراسخ، وذلك ليس أمرا ثانويا.

عندما كان أوباما سيناتورا شابا مشتركا في النقاشات حول تعيينات القضاة لم يظهر احتراما للاختيارات الرئاسية، وبدلا من ذلك توصل إلى نظرية أن قضاة المحكمة العليا يجب أن يفضلوا الجماعات التي لا تحظى بالتفضيل، وعارض جون روبرتس لاستخدامه مهاراته «باسم القوي في مقابل الضعيف»، وانتقد صامويل أليتو لوقوفه إلى جوار «الأقوياء أمام الضعفاء»، وجعل أوباما هذين القاضيين المتميزين يبدوان وحشين لأنهما يمثلان التطبيق غير المتحيز للقانون. ووفقا لمعيار أوباما في التعاطف تعد سوتومايور اختيارا طبيعيا. لقد قالت: «إن الطموح من أجل عدم التحيز يظل طموحا، لأنه ينفي حقيقة أننا من خلال خبراتنا نتخذ خيارات مختلفة عن الآخرين»، ولكن تلك الخيارات ذات الشروط الثقافية ليست «مختلفة» فقط، وتؤكد أيضا على أن «المرأة الحكيمة ذات الأصول اللاتينية» ستصل إلى «نتائج أفضل من رجل أبيض لم يعِش تلك الحياة». ولا يعد أي من ذلك مثيرا للخلاف على وجه التحديد في جامعة أوباما في شيكاغو أو في جامعة سوتومايور في برينستون. وفي الأوساط الأكاديمية العليا من المعتاد التأكيد على أن عدم التحيز ليس فقط أسطورة، ولكنه حيلة يخلدها أصحاب الامتيازات، وبذلك تصبح جميع المعايير القانونية، وفقا لتلك الرؤية، غير موضوعية ومتأثرة بالثقافة، حينئذ يصبح المدافعون عن الموضوعية وكأنهم يخفون ممارستهم لسلطة، وبذلك تحتاج موازين العدل، التي هي فعليا موازين القوة، إلى أن يرجح القضاة كفة «الضعفاء» و«من لا حول لهم». ويأتي قرار سوتومايور في قضية ريتشي أمام دي ستيفانو مشوشا، لأنه يبدو مؤكدا لتلك الفلسفة القضائية. وقد حرم في تلك القضية رجال إطفاء في نيو هيفن في كونيتيكت، درسوا ونجحوا في اختبار ترقية (ومن بينهم فرد من أصول لاتينية)، من المكافأة التي يستحقونها، وذلك بسبب لون بشرتهم، ولأنهم لم يكونوا جزءا من مجموعة تعتبر «ضعيفة»، وتم اعتبارهم ضعفاء كأفراد. وتحول التعاطف إلى تعاطف انتقائي، ليس للبشر ولكن للمجموعات الاجتماعية. فقط تخيل الإحباط والغضب الذي تشعر به عندما تقف أمام قاضٍ فيدرالي يميل إلى معارضة دعواك لأسباب عرقية من أي نوع. يجب أن تكون المحكمة الفيدرالية مكانا يحصل فيه كل فرد، أسود أو أبيض أو فقير أو غني، على حقوق وكرامة متساوية.

وما زال الظلم العرقي ضد الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية موجودا في أميركا، وما زالت الجروح والأضرار التي تسببت فيها العبودية والتمييز العنصري موجودة، ويمكن أن تكون رؤية مجتمع يعمى تماما عن رؤية الألوان في حد ذاتها نوعا من العمى، حيث يتم فيها تجاهل الصراعات المستمرة والتعصب الأعمى. ويجب أن تكون المؤسسات قادرة على التعامل مع الظلم في الماضي والحاضر عن طريق صور من التصرفات الإيجابية، منها التعيين المغامر للأقليات والاستعانة بالعرق كعامل من بين عدة عوامل في القبول وقرارات التعيين. ولكن منع الحقوق المستحقة بسبب العرق بمفرده ظلم لا يمكن حله بظلم آخر.

ولن تهزم المخاوف بشأن التعاطف سوتومايور، وقد لا يجب عليهم أن يهزموها. ويحق لأوباما ديمقراطيا أن يختار، كما فعل الرؤساء الآخرون، ولكن المشكلات التي يثيرها التعاطف الانتقائي تتطلب نقاشا قوميا كبيرا (ليس عنيفا أو شخصيا)، ويتطلب ذلك أن يدخل الجمهوريون مصيدة أوباما بحذر واحتراس.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»