ضحايا.. على طريق الشيشان

TT

لدى استضافتها في لندن 2007 لاستلامها جائزة تقدير لصديقتها الصحافية الروسية المغدورة آنا بوليتكوفيسكايا، سأل صحافيون الناشطة الروسية نتاليا إيستميروفا عن مشاعرها تجاه الأخطار المحدقة بها في روسيا خصوصا بعد مقتل صديقتها فقالت «أحيانا لا أستطيع حتى الشعور بذلك الخطر لأنه لدي مشاعر جياشة وقوية أخرى». كانت نتاليا تعني بمشاعرها الأخرى ذلك الشغف القوي بكشف ارتكابات تعرض لها آلاف المدنيين في الشيشان وهو ما تمكنت فعلا من تحقيقه بعد جهود مضنية وطويلة.

تشكل الحقائق والخفايا المتعلقة بفساد النخب والطبقة الحاكمة أو الروايات التي توثق للعنف الممارس على نحو منظم مادة إغواء أساسي لصحافيين ولناشطين في مجالات حقوق الإنسان والرأي العام، خصوصا في الدول الاستبدادية. لكن البعض من العاملين في هذين الحقلين لا يبحث عن قصة مدوية تثبت تمايزه واحترافه أو جرأته فقط. هناك من يرى في كشف فظاعات تتعلق بممارسات عنفية وبفساد ممنهج هدفَ العيش وغايته وسبيله حتى لو كان الثمن هو الموت.

نتاليا إيستميروفا واحدة من هؤلاء القلة. فمنذ الثمانينات عملت نتاليا على كشف حقائق تتعلق بالأهوال التي ارتكبت في عهد الاتحاد السوفياتي وتحديدا حقبة ستالين لتطور تجربتها في تقصي الحقائق عن حرب الشيشان حتى بعد أن طويت رسميا تلك الحقبة من دون أن تنتهي ذيولها. فقد واصلت نتاليا العمل لتوثيق الانتهاكات على أيدي الميليشيات المدعومة من الحكومة الروسية.

هذه الناشطة الروسية لأبوين أحدهما من روسيا والآخر من الشيشان باتت الضحية الأخيرة لسلسلة جرائم قتل الصحافيين والناشطين في روسيا والذين بات عددهم منذ عام 2000 وحتى مقتل إيستميروفا قبل نحو عشرة أيام 19 صحافيا. هذه المرأة الخمسينية خطفت وقتلت بدم بارد في غروزني وألقي بها على قارعة الطريق..

معظم من سبق نتاليا على طريق الموت قتلا من صحافيين وناشطين خلال السنوات التسع الأخيرة جمعتهم هموم وتوجسات، فهم تشاركوا في تناول قضايا حساسة تطال شخصيات نافذة في السلطة، وقتلوا في ظروف غامضة ومريبة بسبب إصرارهم على ملاحقة قضايا تتعلق بالفساد والعنف، أيقونتا الحكم في روسيا.

لا تزال حقبة الحرب الشيشانية التي ميزت عقد التسعينات أعقد وأبعد ما تكون عن الكشف والمحاسبة. وحتى إشعار آخر تبقى هذه الجمهورية المضطربة تعيش تحت ستار مراقبة واستهداف حقيقيين.

صحيح أن الجيش الروسي أو مواليه ليسوا وحدهم من ارتكب فظاعات ضد المدنيين، فقد اعترف جنود بريطانيون وأميركيون بارتكابات مروعة في العراق وأفغانستان وباكستان. لكن في الحقيقة الفارق جوهري، ففي تلك الدول يقوم نظام قضائي فاعل سمح بملاحقة تلك الارتكابات ومقاضاة فاعليها والمسؤولين عنها، كما أتاح لوسائل الإعلام كشفها والإبلاغ عنها.

في روسيا، ليس هناك مسار مماثل، وإلى أن يحدث ذلك فقد تستمر أعداد الناشطين والصحافيين القتلى في الارتفاع..

diana@ asharqalawsat.com