أوباما يتجاوز كلينتون في التعاطي مع سوريا

TT

أزمة في إيران، وارتباك في الولايات المتحدة. قبل الانتخابات اللبنانية أرسلت الإدارة الأمريكية وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن إلى بيروت، كانت الحسابات بضرورة ألا يفوز حلفاء سوريا، لأن هذا يعني زيادة أوراق الضغط في يد سوريا.

واشنطن تعلمت درسين من التجربة الفلسطينية، الأول فوز «حماس» في الانتخابات أعطى ورقة رابحة لسوريا، والثاني كان خسارة محمود عباس (أبو مازن) لغزة بعد ادعاءات محمد دحلان، وبعد الحرب الإسرائيلية، وهذا أضعف الفلسطينيين كثيرا، وكثّف أهمية الأوراق بيد سوريا.

بعد نتائج الانتخابات اللبنانية، برزت مدرستان في واشنطن تجاه التعامل مع سوريا: مدرسة في وزارة الخارجية ترى أنه قبل إرسال سفير إلى دمشق يجب أن تقدم سوريا التزامات ملموسة تتعلق بلبنان والعراق وفلسطين، ثم يجب ألا تشعر بالارتياح وتبقى تخمن ما ستكون خطوات الإدارة تجاهها.

ومدرسة البيت الأبيض التي تشعر بأنها تحتاج أكثر من الخارجية إلى سوريا، ثم إن البيت الأبيض يفكر عمليا أفضل من البيروقراطيين في الخارجية.

ويخبرني مرجع أمريكي رفيع عن تصرف لافت، يكشف أن البيت الأبيض تسلم ملف سوريا. فقبل ثلاثة أسابيع، سرب مصدر في البيت الأبيض خبر قرار واشنطن إعادة سفيرها إلى دمشق. المفاجأة في الأمر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتمد سياسة عدم تسريب الأخبار. إنما لماذا خُرقت هذه السياسة الآن، فلأن الخارجية تطرح التفاوض بقسوة مع سوريا، في حين يرى البيت الأبيض أنه يحتاج إلى سوريا في دول كثيرة. ويؤكد محدثي، أن نوعا من التوتر بدأ فعلا بين البيت الأبيض والخارجية، وأن هيلاري كلينتون صارت تشعر بأنها مهمشة لدرجة أنه عندما ألقت كلمتها، بعد طول غياب، عن السياسة الخارجية لأمريكا في «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، كان الرئيس يتحدث إلى الأمريكيين عن برنامجه للضمان الصحي. الخلافات بين البيت الأبيض والخارجية وصلت إلى أبعد من إعادة السفير إلى دمشق. إذ سرب دنيس روس أن الذي دفع الرئيس إلى الإتيان به من الخارجية إلى الأمن القومي كمسؤول واسع الصلاحيات، هو شعور أوباما بأن رحلته الشهر الماضي إلى السعودية لم تكن مهيأة كما يجب. البيت الأبيض نفى الأمر، لكن مصادر فيه ذكرت أن أوباما كان يأمل في إقناع المسؤولين السعوديين بإظهار مبادرات ما أثناء ضغوط واشنطن على تل أبيب لإيقاف بناء المستوطنات. التحضيرات للرحلة لم تتضمن مثل هذه الاقتراحات. وفي كلمتها يوم الأربعاء الماضي، قالت كلينتون: «إن التقدم نحو السلام لا يمكن أن يكون فقط من مسؤولية أمريكا أو إسرائيل (...) المبادرة السعودية خطوة جيدة، إنما المطلوب أكثر».

يقول المصدر الأمريكي الرفيع: «هنا يأتي الدور السوري. أما بالنسبة إلى مجيء روس إلى البيت الأبيض فلأن لديه نفوذا مع (ايباك) والكونغرس، ومهمته أن يقوي موقف أوباما مع حلفاء إسرائيل في الكونغرس، خصوصا أن روس لا ينتقد إسرائيل». الأولوية لأوباما: الاقتصاد الأمريكي والضمان الصحي، ثم قضية الشرق الأوسط. هو يرى أنه إذا حقق خرقا إيجابيا، فسيكون لهذا تأثير في العالم الإسلامي. ثم إذا نجح اقتصاديا داخل أمريكا، وظهر أنه رئيس قوي، حتى «ايباك» تتراجع عن ضغوطها.

من طموحات الرئيس الأمريكي إعادة ترتيب الشرق الأوسط، وتوفير أجواء إعادة سوريا إلى العالم العربي، وهذا يتطلب حلا شاملا يبدأ في فلسطين.

هناك من قال له إن العقل الإسرائيلي يقول إذا احتللت أرضا عليك المحافظة عليها. الموقف الأمريكي يتطلع إلى عدم معارضة سوريا لتحرك فلسطيني ـ إسرائيلي، لأن لا حل من دون حماس، إنما بعد أن توافق على دفع الثمن، أي الاعتراف بـ«خريطة الطريق» (قبول حل الدولتين إنما بطريقة ديبلوماسية). يقول محدثي: «إذا رغبت حماس في الانضمام إلى الحل، فهناك حاجة إلى السعودية (غطاء إسلامي لها) وإلى سوريا». لقد فتح أوباما شباكا لحماس عبر خريطة الطريق. في حين أن كلينتون قالت: إن حماس ترفض مبدأ الدولتين. مع العلم كما يضيف: «أن وكيل وزارة الخارجية الأمريكية السابق توم بيكيرينغ اجتمع مع محمود زهار (وزير خارجية حماس)».

يذكرني محدثي بأن رئيس وزراء إسرائيل الحالي بنيامين نتانياهو يشبه تماما رئيس الوزراء السابق ارييل شارون. فعندما جاء الأخير على رأس الحكومة ظل يقول وينذر بأن المشكلة الحقيقية هي العراق، فشارون لم يكن راغبا في إعطاء شيء للفلسطينيين. الآن، يكرر نتانياهو بأن إيران هي المشكلة، إنه ليس راغبا في حل فلسطيني. هل شعر نتانياهو بأن لا عملية عسكرية ضد إيران، فلجأ إلى تحدي الإدارة الأمريكية بإعطاء الحماية لاستئناف بناء المستوطنات في القدس الشرقية، وبدأت التحرشات في جنوب لبنان؟ إدارة أوباما التي لا تريد التعامل مع حماس تريد إيقاف المستوطنات، وبدء المسارين الفلسطيني والسوري. إنما وهذا الأهم تريد تقوية محمود عباس وسلام فياض رئيس وزرائه. هي ترى أنه عندما تقويهما ويكون هناك تحالف عربي، عندها يمكن الضغط على حماس.

يتساءل محدثي عما إذا كان الرئيس السوري بشار الأسد مستعدا لبناء علاقة مع الأمريكيين تكسب ثقتهم.

إذا أراد تحسين علاقته بالأمريكيين عليه اتخاذ خطوات تجاه حماس وإيران، لا أن يقطع علاقته بطهران، إنما «عليه إعادة حساباته». لهذا السبب يفاوض الأمريكيون حول إعادة سفيرهم، واشنطن أعلنت أنها تنوي إعادة سفيرها، إنما تريد خطوات ملموسة من سوريا. تعترف بأن هذه الخطوات بدأت مع الانتخابات اللبنانية، ثم ما لبثت لعبة شد الحبل بين الدولتين أن اشتدت وبدا هذا واضحا في صعوبة تشكيل الحكومة اللبنانية.

يعترف محدثي بأن سوريا تريد أمرين: علاقة مع أمريكا شرط أن تؤدي إلى استعادة الجولان، على أن يلي ذلك انفتاح اقتصادي أمريكي وأوروبي. «السوري يعرف بأن المفتاح بيد أمريكا، وهذه فرصته، ومن مصلحته أن أوباما يريد حلا للقضية الفلسطينية، لكن الإدارة لا تزال تشعر بأن سوريا تلعب دور المعطل».

لكن ماذا تريد أمريكا من سوريا بالتحديد؟ يجيب: تقوية أبو مازن، وأن تعطي إشارات بأنها ليست مع إيران على طول الطريق، خصوصا أن إيران لا تشعر براحة من اتصالات واشنطن مع دمشق، التي تزامنت مع الانسحاب الأمريكي من المدن الرئيسية العراقية في الطريق إلى الانسحاب الكامل. إن لإيران حليفا استراتيجيا وحيدا في الشرق الأوسط هو سوريا. ثم إن الانسحاب من العراق يخفف التعرض لأمريكا. كذلك على سوريا أن تلتزم نهائيا عدم التدخل في لبنان.

وماذا عن العراق، يؤكد محدثي أن هذا مرتبط بالموقف السعودي، لكن واشنطن صارت ترى أن نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي أفضل من الآخرين. أسأل: هل صار رجل أمريكا في العراق؟ يجيب أثبتت الأحداث أنه أقل من الآخرين تقربا لإيران، إنه أفضل السيئين، ثم إذا ذهب من سيكون البديل؟ الآن تضغط عليه واشنطن كي يأتي بالسنة إلى الحكم كشركاء، مع العلم أن الأمريكيين على اتصال بالبعثيين، وهذا عملا بنصيحة رئيس أجهزة الاستخبارات دنيس بلير: «علينا الحديث مع أعدائنا»، الذي يدعو أيضا للانفتاح على حماس وحزب الله لإبعادهما عن إيران. ويلفت إلى إشارة كلينتون في خطابها الأخير إلى طالبان: نحن ضد «القاعدة»، إذا قاتلتم «القاعدة» نحن معكم. ولا بد من الوصول إلى إيران، مهما طال السفر، كما يقول المثل. أفهم من محدثي أن أوباما لا يمكن أن يشن حربا على إيران قبل أن تستقر الأوضاع فيها. ثم لا يمكن أن يخوض حربا من دون أن يكون قد فاوضها. الحرب صعبة ومكلفة، وكبار الضباط في الجيش الأمريكي ضد الحرب ويقولون: كيف لا يمكننا العيش مع إيران نووية إذا كنا قادرين أن نعيش مع باكستان النووية، وهي أقل استقرارا من إيران؟

يقول المرجع الأمريكي الرفيع: إذا وقعت حرب ضد إيران تنتهي رئاسة أوباما، وتعني أن لا عملية سلام. إن حربا أمريكية على إيران تعني الدخول في صراع لمدة عشرين سنة مع العالم الإسلامي من أفغانستان إلى العراق فإيران.

لقد زار رئيس وكالة الـ«سي آي. إيه» ليون بانيتا إسرائيل قبل أسبوعين طالبا الاطلاع على الوثائق التي يملكونها وتؤكد أن إيران تصنع أسلحة نووية، وطالبهم بألا يتسرعوا، وبعده توجه رئيس الأركان الأدميرال مايكل مولن طالبا الشيء نفسه.

في 27 من هذا الشهر سيتوجه إلى إسرائيل وزير الدفاع روبرت غيتس، وكذلك المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، لمحادثات مع نتانياهو وايهود باراك، فهل يمكن أن يبحث أحدهما الحرب والآخر السلام؟

من المؤكد أنه منذ الانتخابات الإيرانية وما تلاها من أزمة داخلية، مع احتمال أن تتمدد خارج حدود إيران، فإن قادة الولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك روسيا وأوروبا يراجعون سياساتهم تجاه إيران، ومع استمرار إعادة التقييم هذه، وبعد سابقة الإعلان عن عبور سفن إسرائيلية لقناة السويس، من الضروري التفكير بأن السياسات الدولية تراجع كل الخيارات الموضوعة على الطاولة، بالإضافة إلى انعكاساتها المحتملة.