افتضاح النفاق الجمهوري

TT

مثلما الحال مع الهرة التي فقدت واحدا من شعر شاربها، يبدو الجمهوريون مفتقرين إلى اتزانهم بعد فقدانهم قدرتهم على ممارسة النفاق. بيد أن ذلك لا يمنع، بطبيعة الحال، أنهم ما زالوا يحاولون ممارسة نفاقهم السياسي القديم، لكن هذه المرة من دون الشعور بالثقة بالنفس الذي ميزهم من قبل.

من بمقدوره نسيان سنوات المجد، عندما كان رونالد ريغان يعمد إلى ذكر الله، رغم أن قدمه لم تطأ الكنيسة قط؟ وعندما وجه آرلين سبكتر الاتهام إلى أنيتا هيل بالحنث باليمين في محاولة لتشتيت الانتباه بعيدا عن شهادة كليرنس توماس الزائفة؟ وعندما تورط نيوت غنغريتش وعدد من الشخصيات المحافظة الأخرى في علاقات مع فاتنات شابات من واشنطن في ذات الوقت الذي سعوا لسحب الثقة من بيل كلينتون؟ لكن هذه النزعة تجلت في صورتها الكبرى في جورج بوش وديك تشيني، اللذين ملآ الدنيا صراخاً حول جهودهما لجعلنا أكثر أمناً، بينما تسببا في واقع الأمر في ازدياد خطورة الوضع العالمي العام، وعمدا إلى التباهي بشأن سياساتهما المالية المتحفظة، في الوقت الذي دفعانا فيه إلى أزمة مالية.

والآن، عندما يضبط الجمهوريون وهم يتلاعبون بالمبادئ التي يملونها على الآخرين، يتضح لهم أنه لم يعد باستطاعتهم الاستمرار في ممارسة النفاق دونما عقاب.

يذكر أن الحياة المهنية لمارك سانفورد العاشق كانت لا تزال في ترد مستمر الأسبوع الماضي مع فضح وسائل الإعلام أساليبه المنافقة في التعامل مع نفقات السفر. عندما ترشح لمنصب حاكم كارولينا الجنوبية عام 2002، شن سانفورد هجوماً ضد الحاكم الديمقراطي آنذاك «لإنفاقه ببذخ» على الفنادق والسفر بالطائرات. وبمجرد انتخابه، طلب من موظفي الولاية التكدس مع بعضهم البعض داخل غرف الفنادق ووبخ العاملين الذي تجاوزت نفقاتهم 208 دولارات، وهو المعدل الفيدرالي.

إلا أنه مثلما أوضحت مجلة «بوليتيكو» «عمد في العادة إلى تحميل دافعي الضرائب نفقات مقاعد الطائرات بالغة التكلفة التي يحجزها، وكبدهم أكثر من 44.000 دولار بشرائه تذاكر من الدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال. وغالبا ما كان يقيم بفنادق باهظة تتجاوز تكلفة الإقامة بها بكثير المعدلات التي فرضها على موظفي الولاية الآخرين». على سبيل المثال، خلال مهمة تجارية له بالصين، أنفق سانفورد 12.000 دولار على تذاكر سفر بالدرجة المخصصة لرجال الأعمال، في الوقت الذي ترك مساعديه في الدرجة الاقتصادية مقابل 1.900 دولار. إضافة إلى ذلك، عاد النزل الديني في واشنطن الذي سارع سانفورد إليه لطلب العون من أقرانه المحافظين، وبث لهم شكواه من تداعيات رقصة التانغو التي قام بها مع ماريا الفاتنة، لدائرة اهتمام وسائل الإعلام مجددا. يرتبط هذا النزل بمجموعة سرية داخل الكونغرس تعرف باسم «الصحبة»، التي تولت أيضا رعاية دراسة الكتاب المقدس وتنظيم جلسات للصلاة حضرتها هيلاري كلينتون عندما كانت سيناتور. وقد تحول هذا النزل إلى مزار سياحي، وبات أشبه بأثر يرمز إلى النفاق الجمهوري.

ويخدم منزل سي ستريت، كما يعرف المنزل القائم بالقرب من مبنى الكونغرس، كمكان للإقامة وملاذ لدراسة الكتاب المقدس والتأمل فيه بالنسبة للكثير من المشرعين من المسيحيين المحافظين. إلا أنه يبدو أن ما كان يصلي هؤلاء الأفراد لنيله هو الحظ السعيد. جدير بالذكر أن جون إنسين، الذي حنث بجميع عهوده، يقيم هناك. ومثلما أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، فإن السيناتور توم كبورن، الذي يعيش هناك، عقد اجتماعا غلبت عليه العاطفة مع دوغ هامبتون، زوج عشيقة إنسين، حول قيمة التسامح. (التسامح بجانب الرشوة كثيرا ما يحققان المعجزات). من ناحيته، قال كبورن إنه لا ينوي الحديث أمام محكمة أو لجنة الأخلاق داخل مجلس الشيوخ حول هذا الأمر لأنه كان يستشير إنسين كطبيب.

الأسبوع الماضي، كشفت «أسوشييتد برس» أن زوجة عضو كونغرس سابق من الحزب الجمهوري، تشيب بيكرنغ من ولاية مسيسبي، التي يداهمها شعور قوي بالاغتراب تقدمت بدعوى قضائية تتهم فيها عشيقة زوجها، وهي سيدة ثرية كانت تربطه بها علاقة عاطفية خلال فترة الدراسة الجامعية وتدعى إليزابيث كريكمور بيرد، بصرف عواطف زوجها عنها وتطالبها بتعويض. وتشير أوراق الدعوى إلى أن تشيب استغل النزل القائم في سي ستريت كعش غرام للقاء عشيقته خلال فترة عمله عضوا في الكونغرس. وأضافت الدعوى أنه «في نهاية الأمر، عرضت كريكمور بيرد على بيكرنغ الاختيار بين البقاء مسؤولا عاما أو التحول إلى مواطن عادي والاستمرار في علاقته بها». ومني النفاق الجمهوري بضربة قاسية خلال جلسات الاستماع للقاضية سوتومايور. بعد تنديدهم طيلة الأسبوع بما وصفه سيناتور جيف سشنز بـ«معيار التقمص العاطفي»، حاول الجمهوريون استغلال بطاقة «التقمص العاطفي» من خلال استدعاء اثنين من رجال الإطفاء من منطقة نيو هافين، أحدهما أبيض والآخر من أصول لاتينية، تضررا من حكم أصدرته سوتومايور من قبل. أدليا الرجلان بشاهدتيهما وهما يرتديان زيهما الرسمي، وسردا قصصا تدمي القلب حول كيف أنهما اجتهدا وذاكرا بجد يتم تجاهلهما بعد ذلك رغم ما أحرزاه من نتائج مرتفعة. واستخدم فرانك ريتشي، الذي ذاكر بجد للتغلب على مرض ديسلكسيا الذي يعانيه، استغل إصبعه في تعقب الكلمات أثناء قراءته شهادته. لكن الشكوى الجمهورية ضد سوتومايور في هذه القضية انتهت إلى حثها على التحلي بنشاط وروح مبادرة أكبر. وانصب غضب الجمهوريين على وقوف سوتومايور إلى صف المسؤولين المنتخبين والسابقات القانونية، بدلاً من إقرار نتيجة رآها الكثيرون، بمن فيهم أنا شخصيا، ظالمة. في الوقت الذي بدا اختيار سوتومايور للألفاظ غامضا ومتعذرا على الفهم، جاءت اللغة التي استخدمها الجمهورية عتيقة، ودارت في الجزء الأكبر منها حول توجيه إنذارات قاسية إلى القضاة النشطاء، في الوقت الذي تجاهلت الغالبية المحافظة داخل هذه المحكمة العليا أو أطاحت بسوابق قانونية في الكثير من القضايا. من جانبها، نجحت القاضية سوتومايور في كبح جماح مشاعرها، بينما انتهى الحال بالمحققين معها من الرجال البيض من أعضاء الحزب الجمهوري إلى إبداء أملهم في استعادة بعض السيطرة على ما تفعله النساء بأجسادهن. ربما لو كانوا مهتمين لهذه الدرجة بأجساد النساء، عليهم التوجه إلى سي ستريت فحسب.

* خدمة «نيويورك تايمز»