السفير غيلون في الدنمارك.. استفزاز أم غباء

TT

لا تزال القضية في بدايتها، ولكن من يعلم مدى ما ستصل اليه القضية المرفوعة ضد كرمي غيلون. وكان قد تم تعيين غيلون الرئيس السابق لـ«شين بيت»، وهو جهاز الامن الداخلي في اسرائيل سفيرا لبلاده لدى الدنمارك.

وقبل وصوله الى كوبنهاغن رفعت قضية ضده بتهمة تنظيم تعذيب السجناء الفلسطينيين في الفترة ما بين عامي 1994 و1996. واذا ادين، فيمكن ان يقبض عليه ويسجن لفترة تصل الى عشر سنوات. وتجدر الاشارة الى ان الدنمارك هي واحدة من 40 دولة موقعة على الميثاق الدولي لمناهضة التعذيب.

وتصر الحكومة الدنماركية، حتى الآن، على ان الحصانة الدبلوماسية تحمي غيلون، الا ان الرأي العام في الدنمارك يرفض مثل هذا الموقف القانوني المحدود. ولا سيما ان الحكم الذي اصدرته محكمة بريطانية بإمكان محاكمة ديكتاتور تشيلي السابق اغوستو بينوشيه بالرغم من الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها، سابقة لا يمكن لقاض دنماركي تجاهلها.

وقد اصبح موقف غيلون في غاية الحساسية، خاصة عندما نضع في الحساب قرارا اصدرته قبل فترة، المحكمة العليا الاسرائيلية، باعتبار اي استخدام للقوة البدنية ضد المعتقلين تعذيبا. وقال غيلون انه استخدم «قوة معتدلة» فقط ضد المحتجزين وأصر على ان القوة البدنية لا تزال مطلوبة لـ«إغراء» المعتقلين بالاعتراف.

والامر اللافت للانتباه هو ان القوانين الموسوية التقليدية لا تقبل الاعتراف دليلاً. ويرجع ذلك الى ان المشرعين اليهود الاوائل يعلمون امكانية الحصول على الاعتراف بالتعذيب. واذا لم يدخل الاعتراف في الحساب، فلماذا ممارسة التعذيب؟

وبدلا من ان تحتفظ الحكومة الاسرائيلية بالاشخاص الذين مارسوا التعذيب بالداخل في وظائف محدودة، تحاول تصوير غيلون بطلاً في الوقت الذي اصبح فيه الجدل القانوني حول هذه القضية في الدنمارك معركة وطنية. ان ارسال غيلون الى الدنمارك التي تعتبر واحدة من اكثر الدول المدافعة عن حقوق الانسان، ومن اوائل الدول المتحمسة للميثاق الدولي لمناهضة التعذيب، إما هو سلوك استفزازي وإما غباء. وهو مثل ارسال شخص يؤمن بتعدد الزوجات وبالاجهاض سفيراً لبلاده لدى الفاتيكان.

لا يوجد ما يمنع استخدام نفس الخطط التي استخدمتها اسرائيل ضد المجرمين النازيين، ضد الاشخاص الاسرائيليين الذين اعترفوا بممارسة التعذيب. واقل ما يمكن ان يتوقعه المرء من محكمة دنماركية، التي لا يمكن ان يتهمها المرء بمحاباة الفلسطينيين، اكتشاف الحقيقة.