قرار مجلس الأمن ينبغي أن يتطلب إنشاء دولة فلسطينية

TT

شلت عقلية الحصار التي تهيمن على الفلسطينيين والاسرائيليين قدرتهم على التفكير في كيفية العودة الى مائدة المفاوضات. فاحتلال اسرائيل بيت الشرق في القدس الشرقية، الجمعة الماضية، اكد للفلسطينيين نية اسرائيل في سحق تطلعاتهم الوطنية الفلسطينية على نحو منظم وابقائهم في دائرة الخضوع لها بشكل دائم. اما قتل المدنيين الاسرائيليين في مطاعمهم وحافلات نقلهم فلا يؤكد لأعداد متزايدة منهم انكار الآخرين لحقهم في الوجود في دولة يهودية فحسب، بل اعتبارهم جميعا اهدافا شرعية للعنف الفلسطيني. هناك حاجة الى تحرك اميركي لتذكير الطرفين بانهما يسيران على درب الانتحار ومساعدتهما في التوصل الى مخرج من المواجهات الدموية. ولعل انجع الطرق لتحقيق ذلك هو اللجوء الى مجلس الامن. فيمكن للولايات المتحدة اقتراح مسودة مشروع قرار يلحق النزاع الاسرائيلي الفلسطيني بدعوة مجلس الامن في العام 1967 من خلال القرار رقم 242 لاعادة «الارض مقابل السلام».

وستكون مثل هذه المبادرة تغييرا مهما في التكتيكات الاميركية. ورغم بدء واشنطن في السنوات الاخيرة الحديث عن حل الدولتين في المنطقة الواقعة غرب نهر الاردن ظلت تلجأ الى مواربات مثل وصف الدولة الثانية بـ«الكيان» الفلسطيني. ويمكن لهذا القرار ان ينص على:

ـ يتوقع المجلس قيام دولة فلسطينية تتمتع بمقومات البقاء وبالسيادة على اراضي الضفة الغربية وغزة التي تنسحب منها اسرائيل.

ـ ينبغي ان تعكس الحدود النهائية للدولة الفلسطينية خطوط الهدنة الموقعة عام .1949 ـ ينبغي استئناف المفاوضات مباشرة لتحديد مساحة الارض التي يتحتم على اسرائيل الاحتفاظ بها لضمان امنها.

لقد اختارت ادارة بوش حتى الآن لعب دور اقل من سابقتها في الشرق الاوسط، وهذا امر مفهوم على ضوء النكسات التي عانت منها ادارة كلينتون. في المقابل فان الاحباط السائد في المنطقة ازاء تقليص واشنطن لدورها امر مفهوم، اذ ان عملية السلام ومنذ مدة طويلة ظلت عملية السلام الاميركية. ان العمل نحو اصدار قرار لمجلس الامن لاقرار الهدف النهائي للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية يجدد التأكيد على دور القيادة الاميركية، ولكن بصورة تدعو وترحب بالتعاون الدولي.

ان سوابق قيام اسرائيل بانسحابات كبرى مقابل السلام والامن تضاعفت منذ عام .1967 اذ وافقت اسرائيل على الانسحاب من الحدود الدولية مع مصر في اتفاقية السلام لعام .1979 كما طلب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك من الرئيس بيل كلينتون في العام الماضي ابلاغ الرئيس السوري حافظ الاسد باستعداد اسرائيل على الانسحاب من كامل مرتفعات هضبة الجولان، عدا شريط محدود على طول بحيرة طبريا. علاوة على ذلك، انسحبت اسرائيل بالكامل من لبنان في العام الماضي. وتوصلت اسرائيل مع الاردن الى ترتيبات لاغراض امنية باستئجار مساحات من الاراضي الاردنية في صحراء النقب. وتكللت عمليات تبادل الاراضي هذه بالنجاح وليس ما يمنع من التفاوض على ترتيبات مشابهة مع الفلسطينيين.

وبينما لن يقلل هذا القرار بأي شكل كان من الدعم الاميركي للأمن الاسرائيلي، فان العمل ضد مثل هذه المبادرة الاميركية سينطلق من انها تتحدى مباشرة مطلب اسرائيل في الانهاء الكامل للعنف قبل اتخاذ اي خطوات سياسية، بما فيها اجراءات بناء الثقة.

وليس من سبب يدعو الى الشك في ان رئيس الوزراء آرييل شارون، الذي يفاخر بنفسه على انه رجل يقول ما يعني ويعني ما يقول، لن يحمل ياسر عرفات مسؤولية اي اعمال عنف ينفذها اي فلسطيني او اي اقوال وتصريحات تحريضية ضد اسرائيل. كما ليس ما يضمن ان المبادرة الاميركية المقترحة ستقوي من موقف عرفات بين صفوف الفلسطينيين بصورة تمكنه من ممارسة السلطة وسط العنف.

ولكن ماذا عن البدائل الاخرى؟ ان استراتيجيات مثل انسحاب اسرائيلي من طرف واحد، او اعلان فلسطيني احادي للدولة، او الانتظار الى حين تحقيق وقف كامل للعنف، تثير مشاكل اكبر مما تحل. فالانسحاب الاسرائيلي من طرف واحد سيذكي خيالات المتطرفين الفلسطينيين بانهم هم الذين طردوا الاسرائيليين خارج الضفة الغربية وغزة تماما مثل زعم «حزب الله» بانه طردهم خارج لبنان. اما اعلان الدولة الأحادي فانه لن يتصدى لمسألة الوجود الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية وغزة، بل سيؤسس لدولة اعداء على الحدود الاسرائيلية.

وكانت ادارة بوش قد انضمت الى شركائها في مجموعة الدول الصناعية الثماني الذين اجتمعوا في جنوى في الشهر الماضي في دعوتها ارسال مراقبين دوليين اثر انتهاء اعمال العنف. وفي الواقع ينبغي قبول كلا الطرفين بوجود هؤلاء المراقبين، وهو الامر غير المتوفر في الوقت الراهن.

ان الهدف من هذا القرار المقترح هو اعادة تدشين العملية التفاوضية، أما تبنيه فانه يؤكد على بصيرة المفاوضين الاميركيين في عام 1967 الذين اعتقدوا ان تحقيق السلام والامن لكل الاطراف يتطلب اعادة الاراضي المحتلة، مع اجراء «تعديلات حدودية طفيفة». وتبدو تلك البصيرة وسط دوامة عمليات «القتل المستهدف» والتفجيرات الانتحارية وشعارات الحقد المتبادل وكأنها غير واقعية.

* مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا ـ خدمة «الشرق الأوسط»