المواطن العربي.. مجرما

TT

صدر أمس الحكم على المواطن المصري إبراهيم علي السيد موسى بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاما، لخطفه سياحا ألمانا في محاولة للفت الانتباه لمشكلة شخصية يعيشها منذ أمد طويل، دون أن يجد عونا من الدوائر المعنية بقضيته في بلاده، أو أذنا صاغية من السفارة الألمانية. إذ أنه تزوج ألمانية عام 1991م وفقد طفليه إثر انفصاله عن أمهما. وفوق ذلك عمدت الأخيرة إلى تغيير الاسم العائلي لهما، وديانتهما. وقدر ما هو مؤلم للرجل أن يخرج من علاقة زوجية بالفشل، فإن ما هو أكثر إيلاما أن يجد الأب نفسه غير قادر على دفع الأذى عن فلذتي كبده، بل محروما من اللقاء بهما، ومعرفة مصيرهما.

هذه الدوافع لا يمكن أن تقبل كمبرر لعمل إجرامي مثل الخطف، وترويع الآمنين، إلا أن تجريم هذا المواطن وسجنه، لا يعني أن المشكلة انتهت. ويوم يكون الطفلان في وضع يسمح لهما بمعرفة حقيقة ما جرى، فإن أزمة أخرى ستواجه الحكومتين معا. والحال ذاته ينطبق على المواطن السعودي عبد المنعم العداس الذي يمضي حكما بالسجن في أحد السجون الفرنسية بعدما اختطف طفليه من زوجته الفرنسية، وفر بهما إلى السعودية، ولم يكن يعلم أن السلطات الفرنسية نجحت في استصدار أمر قضائي بالقبض عليه، واستعانت بالإنتربول لاعتقاله متى ما غادر بلاده، وهو ما حدث بالفعل لدى وصوله إلى نيويورك. وبعد سبعة أشهر من التحفظ عليه، تم ترحيله، ومحاكمته في فرنسا، وفقا لقوانينها وأنظمتها.

ومثلهما المواطن التونسي نبيل معروف، الذي يكافح منذ ما يزيد على عامين لاستعادة طفلته من زوجته السويدية، والقانون الذي يوفر لزوجته الحماية سيف مسلط على رقبته، طالما أنه لا يملك إقامة نظامية لمتابعة حقه القانوني، ويعيش مختبئا عن عيون الشرطة خشية إبعاده عن البلاد.

وقبل عام وجدت الكويت نفسها في أزمة سياسية محرجة عندما وفرت السفارة الإيطالية ملاذا لطفلة من أم إيطالية، وأب مصري. والحالات المماثلة كثيرة، وتعقيداتها كبيرة لكنها إجمالا تكشف ضعف القوانين والأنظمة التي تحمي حق المواطن العربي في مواجهة التزام الدول الغربية تجاه مواطنيها بتوفير الحماية والرعاية، وتقديم التسهيلات الممكنة لهم، حتى ما يمكن أن يندرج منها في إطار الجريمة، إذ أن اجراءات تسهيل اختطاف الأبناء، أو تهريبهم وفق مسوغات قانونية استخرجت خصيصا لتوفير غطاء نظامي للعملية، أقل ما يقال عنها انها غير إنسانية.

تزايد عدد هذه الحالات يملي على الدول العربية الشروع في وضع صيغ لاتفاقيات تحكم العلاقة بينها وبين الدول الأخرى في ما يتعلق بحقوق الرعاية العائلية لأطفال لأبوين من رعايا الدولتين. ولعل من المفيد هنا النظر إلى أن هذا الموضوع يعتبر أكثر القضايا تعقيدا في العلاقات الألمانية ــ الأميركية، وما زال البلدان عاجزين عن الاتفاق على تفسير موحد للأنظمة التي تحمي حقوق مواطنيهما في هذا الخصوص. إن ترك المواطن العربي يواجه مصيره بنفسه، على اعتبار أنه هو الذي اختار الزواج من غير بنات جنسه، لا يعفي الحكومات من الحفاظ على حقوق مواطنيها وحمايتهم، وتوفير الدعم القانوني لهم، وقبل ذلك، وأهم منه، إعادة صياغة اتفاقيات تبادل العلاقات الدبلوماسية على أساس حماية حقوق مواطني الدول العربية، بصورة تمنع بشكل قاطع تدخل البعثات الدبلوماسية في حل الخلافات العائلية بتهريب أحد أطراف الخلاف، وتوفير الملاذ الآمن له، تفاديا لان يتحول المواطن الى مجرم في حق نفسه وعائلته ووطنه.