الأيام الفاصلة في السياسة الخارجية الأميركية

TT

باق من الزمن عام كامل لكي يثبت الرئيس الأميركي باراك أوباما أن زيادة القوات الأميركية والمساعدات في أفغانستان كانا قادرين على تغيير المعادلة هناك؛ فالتزام الولايات المتحدة في دعم أفغانستان بالقوات والدعم المادي ليس التزاما مفتوحا.

كما يجب على إيران أن تقدم استجابة لعرض الرئيس أوباما بفتح قنوات للتواصل قبل اجتماع أكبر اقتصادات العالم في بطرسبرغ في 24 سبتمبر (أيلول). وإذا لم تقبل طهران بالعرض، سوف تطلب الولايات المتحدة من روسيا والصين والدول الأخرى الكبرى الذهاب إلى الأمم المتحدة وفرض عقوبات مشددة على إيران. كما أن تلك القمة هي اللحظة التي سيقوم فيها الرئيس أوباما بتقييم التقدم الذي حدث في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والسلطة الفلسطينية والدول العربية، فهم ليس أمامهم سوى حل الأزمة بين بعضهم البعض أو التعامل مع الرئيس الأميركي غير الراضي. هذه هي الطريقة التي قرأت بها التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي وجهها مسؤولون أميركيون ـ بمن فيهم الرئيس ـ في الأسابيع الأخيرة للقادة الأجانب وللجمهور الأميركي، والتي أظهرت صورة واضحة لطريقة أوباما في صنع السياسية الخارجية.

فإذا كانت تلك الصراعات يمكن وقفها بمجرد تحديد مواعيد مسبقة لإنهائها والسعي الحثيث للتوصل في نقاط اتفاق على مسار اتخاذ القرارات، فإن الرئيس أوباما يكون قد ضمن الحصول على جائزة نوبل للسلام لسنوات عديدة مقبلة.

وسوف يقول المعترضون إنني أتحدث حول عملية اتخاذ قرارات صعبة، ولكنني أختلف مع ذلك: فخلال الأشهر الستة التي قضاها أوباما في منصبه، حدد الرئيس أوباما سلسلة من المواعيد الإستراتيجية للفصل في العديد من التحديات التي يواجهها، محولا القمم الدولية والاجتماعات الكبرى الأخرى إلى ترامبولين سياسية تقذف به وبأفكاره إلى الاختبار القادم.

وليس مفاجئا، أن يعتمد ذلك التوجه إلى حد كبير على كبرى نجاحاته، أي الحملة الانتخابية الناجحة في 2008. فإذا واجهته صعاب، فالأمر لا يتعلق بأنه متلكئ، بل يتعلق بأنه جمع عددا من اللحظات الحاسمة في وقت واحد ولم يترك لنفسه فرصة لكي يستطيع التعامل مع الأحداث غير المتوقعة.

كما أن الإدارة الأميركية لم تعلن عن تاريخ محدد لإعادة تقييم الالتزامات الأميركية في أفغانستان، وهو ما سوف يشجع حركتي طالبان والقاعدة على أن ينتظرا حتى رحيل القوات الغربية.

ويشير القادة الأميركيون ـ الذين يجب أن يعترفوا بالخط الرفيع الذي يفصل بين جيش صقلته المعركة وجيش أرهقته المعركة وأن يحترموه ـ إلى أنهم يدركون أن أمامهم 12 شهرا على بدء الانتخابات الأفغانية التي ستجرى في 20 أغسطس (آب) لكي يظهروا للرئيس أوباما والجمهور الأميركي أنهم يستطيعون إنجاز المهمة، وربما يصبح بعد ذلك الجهد الأميركي المضطرب قضية كبرى في انتخابات الكونغرس 2010.

وقد بدأ مثل ذلك الجدال السياسي في الظهور في بعض دول حلف شمال الأطلسي الأخرى، حيث استنتج الرأي العام أن إبقاء القوات المقاتلة في أفغانستان لا طائل من ورائه، كما أنه لا يوجد جيش يريد القتال في مثل تلك الظروف.

وقد قال الجنرال بانتس كرادوك قائد عام حلف شمال الأطلنطي (الناتو) بصراحة في اجتماع عقده مجلس الأطلسي في واشنطن مؤخرا: «نحن لا نستطيع الاستمرار في دعم الفشل، هناك عدد من الأشياء التي لا يجب علينا كحلفاء أن نقوم بها مرة أخرى في مثل ذلك النوع من الصراع».

فمثلا بدأ بعض الحلفاء مثل كندا وهولندا والذين عانوا من وقوع عدد كبير من المصابين بين جنودهم في إعادة تقييم التزامهم في أفغانستان منذ شهور وليس سنوات. كما أشعل الارتفاع الكبير لأعداد الوفيات بين القوات الإنجليزية المقاتلة في مقاطعة هلمند خلال الشهر الحالي جدالا حادا مفاجئا في لندن حول قدرة بريطانيا على البقاء هناك.

وعلى تلك الخلفية، فإن بقاء أوباما لمدة عام وهو يراقب تلك القضايا هو مسألة حساسة للغاية، ولكن إيران، على أية حال، لن تتركه ينتظر طوال تلك المدة.

وسوف تكون قمة العشرين المقبلة هي الترامبولين الدبلوماسية الجديدة بالنسبة لأوباما، التي سوف يستضيفها متمنيا أن يطرح مقاربات جديدة متعددة حول إيران وعملية السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى التعافي الاقتصادي العالمي. وقد عاد الرئيس من أوروبا خلال الشهر الحالي بما وصفه أحد المسؤولين الأميركيين البارزين على أنه «القبول الروسي وقبول قمة الثمانية» لذلك المفهوم. فيقول أحد المسؤولين المطلع على طريقة تفكير الرئيس أوباما: «إذا لم يكن الإيرانيون قد استجابوا حتى ذلك الوقت، فإنه يجب على العالم أن يوضح لهم أنه لا يستطيع الانتظار إلى الأبد، كما أن تلك القمة هي اللحظة المناسبة لكي يقيم العالم مدى التقدم الذي تم إحرازه والذي يمكن إحرازه بين الإسرائيليين والفلسطينيين».

وسوف تكون بطرسبرغ لحظة الصدق خاصة بالنسبة للرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الذي سعى إليه أوباما على أمل الحصول على مساندة موسكو في فرض عقوبات جديدة من الأمم المتحدة على إيران. وإذا لم يتحقق ذلك، فإن مصداقية أوباما سوف تتأثر.

وسوف يؤدي الصيف الهادئ الذي يقضيه أوباما في الإعدادات المثابرة إلى خريف ساخن من اتخاذ القرارات. وسوف نعرف في تلك اللحظة فقط إذا ما كان الرئيس قد أعد نفسه والعالم كذلك لاحتمالية إخفاق مبادراته كما فعل بالنسبة لنجاحاته.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»