معركة حريات أم تنازع على الحكم؟

TT

تفهم اللبنانيون موقف رئيس الحكومة اللبنانية، رفيق الحريري، في جلسة المجلس النيابي الاخيرة، فلقد كان بامكانه، وربما من مصلحته السياسية الشخصية، ان يعارض، مع النواب الموالين له، تعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية، الذي اعيد الى المجلس النيابي لتعديله، بعد اقراره من المجلس بأسبوعين، لا سيما انه لم يخف معارضته للتعديلات المقترحة من بعض النواب بايحاء من بعض «المراجع». كما كان بامكانه ان يستقيل انسجاما مع قناعاته ولكنه آثر البقاء في الحكم والقبول بالتعديلات المقترحة، التي قلصت الغاية المتوخاة من القانون الجديد وهي اعطاء الانسان في لبنان مزيدا من الضمانات القضائية ومن احترام حق الدفاع عنه امام القضاء الجزائي.

ولقد ترافق هذا التشدد القانوني مع الضجة التي اثيرت اثر موجة الاعتقالات التي استهدفت انصار التيار العوني والقوات اللبنانية، بعد التظاهرات التي قاموا بها اثناء زيارة البطريرك الماروني للشوف والاستقبال الشعبي الدرزي المسيحي الذي جرى له، وهتفوا فيها ضد رئيس الجمهورية وسوريا، مما حمل عددا كبيرا من السياسيين والنواب والكتاب والنقابيين على التنديد بما سموه اعتداء على الحريات العامة و«تحكم الأجهزة الأمنية» و«خرقاً للدستور والقوانين»، وصولا الى انسحاب وزراء ونواب من جلسة المجلس النيابي احتجاجا. وهكذا، وبعد ان استبشر اللبنانيون والعالم معهم ببزوغ فجر مصالحة وطنية حقيقية في جبل لبنان، اثر زيارة البطريرك واستقبال الدروز وزعيمهم وليد جنبلاط له، جاءت هذه الاحداث والتوترات الاخيرة تلبد الاجواء الوطنية والسياسية وتشحنها بالتوتر والمساجلات العنيفة اللهجة بين اهل الحكم والمعارضين.

هل افتعلت هذه الازمة الاخيرة لافساد جو المصالحة الوطنية التي بدأت في الجبل، كما يقول البعض؟ ام كانت مجرد «فشة خلق» ورداً عضلاتياً من قبل اصحاب السلطة على تظاهرات غير لائقة لأعداء الحكم وسوريا؟ أم كانت نتيجة تشدد الحكم في سوريا على اوضاع الأمن، وبالتالي على ممارسة الحريات، في البلدين، بعد وصول شارون الى الحكم واحتمال دخول المنطقة حقبة عسيرة وخطرة من حياتها؟ في مطلق الاحوال، لم يكن ما حصل عرسا للحريات، ولا مهرجانا ديموقراطيا، بل اصاب الديموقراطية والدستور والأجواء الوطنية بخدوش. كما اظهر، لسوء الحظ، اكثر من ثغرة داخل الحكومة واكثر من ازدواجية في مواقف الحاكمين.

يبقى السؤال الاهم، وهو تأثير كل ذلك على المشروع الاقتصادي والمالي للحكومة، الذي يشكل نجاحه فرصة اخيرة لانقاذ لبنان من ازمة مالية قاسية. فاذا كان الاستقرار الامني والسياسي شرطا هاما لنجاح المشروع المالي ـ الاقتصادي الحكومي، فان احترام الدستور والقانون والحريات العامة والخاصة، بالاضافة الى الاستقلال والسيادة، انما هي، ايضا شروط اساسية للنجاح. ولا يجوز التضحية بالشروط الاولى بحجة الدفاع عن الشروط الثانية، او العكس.

اما حسابات السياسيين الشخصية والمناورات الممهدة لتغيير الحكومة او لمعركة الرئاسة المقبلة، ومهما كانت اهميتها في السياسة اللبنانية، فلا يجوز تغلبها على مصلحة اللبنانيين الوطنية والاقتصادية.