المفاوضات تحتاج إلى زعماء تاريخيين

TT

يروى أن الرئيس الإسرائيلي المخضرم شيمون بيريس جلس يدرس رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، حول أصول الحكم والقيادة. قال له إن الزعماء الكبار هم الذين يقتنصون الفرص التي تسنح أمامهم في لحظات نادرة، «إن الفرص التاريخية مثل الفرس الدهماء التي تراها أمامك تركض مسرعة فإما أن تمتطيها في هذه اللحظة أو قد لا تعود». يحاول تليين عقل نتنياهو المتصلب، وتعليمه الزعامة، لأن نتنياهو يظن أن الزعامة تختصر في مسألتين الجسارة العسكرية والقرارات الشعبية. بيريس أوصاه بأن يهتم بمشروع السلام، موضحا له أن الزعيم لا يحتاج إلى الشعبية دائما، «لقد انتخبوك وانتهى الأمر، والآن أنت رئيس وزراء، كل ما عليك هو أن تتصرف كقائد لهم». ضرب له بشامير مثلا، قال انتخبه الإسرائيليون رئيس وزراء، حكم ورحل، لكن لا أحد يتذكره اليوم بخلاف القادة الإسرائيليين الكبار. وسواء استوعب نتنياهو درس الفرس الدهماء واللحظة المسرعة أم لا فإن المنطقة كلها تحتاج أن تدرك الأمر نفسه. كلهم فوتوا الخيول المسرعة. لا أحد في السنوات العشرين المضطربة الماضية نجح في إدارته، لا الفلسطينيون بقيادة الراحل ياسر عرفات أو حماس بقيادة الراحل الشيخ أحمد ياسين، ومن جاء بعدهما، ولا السوريون أو اللبنانيون، أو الأميركيون. فشل الإسرائيليون في انتهاز الفرص حتى رابين الذي كان أكثر رؤساء الوزراء اعتدالا ورغبة في التفاوض تراجع عن سلام الجولان رغم أن السوريين كانوا في منتهى الإيجابية آنذاك. والأمر بات أسوأ في زمن نتنياهو، ثم شارون، اللذين كانا يصران على التركيز على الإخفاقات بدل الاتفاقات العريضة للسلام. لم يفز أحد من هؤلاء الزعماء بشيء سوى التعطيل فجعلوا شعوبهم تعيش سنوات أكثر قسوة. وها هم جميعا يعودون إلى المربع الأول.

ومع أن الجميع اقتنعوا بهذه الخلاصة المؤلمة، مهما أنكروها علانية، فإنهم بقوا مكبلين بنفس القيود القديمة، السمعة الشخصية، والمناورات الداخلية، والخلافات الصغيرة. ومنذ أن بدأ المبعوث الأميركي جورج ميتشل جولاته وكل يضع المزيد من العراقيل بعد أن كان المأمول أن يشهد انفراجات أولية تسهل على الرئيس الأميركي المتحمس لعقد صفقة سلام عادلة في المنطقة. كان المنتظر أن توقف إسرائيل عمليات الاستيطان لكنها فضلت المماطلة، بل وبدأ المستوطنون التسلل إلى الجزء العربي من القدس لشراء واستئجار المنازل هناك مما ينذر بمخاطر أكبر. وكان يشاع عن جملة من التنازلات الجماعية الصغيرة من كل الأطراف لتشجيع التفاوض مثل مزارع شبعا بين إسرائيل ولبنان وسورية، وفتح المعابر ورفع الحواجز إسرائيليا، والإفراج عن الجندي الإسرائيلي المختطف لقاء الإفراج عن المسجونين من السياسيين الفلسطينيين إلا أن شيئا من كل هذه القائمة لم يحدث.

ويبدو أن نتنياهو يريد تخريب مشروع السلام من بدايته بإعلانه رفض التفاوض على الجولان، ليس إنكارا بل من قبيل التحرش السياسي بالسوريين. يظن أن تهميش السوريين سيدفعهم ليقوموا بالنيابة عنه بتخريب مشروع أوباما. يظن أن دمشق ستشجع حماس والجهاد وغيرها بافتعال معارك سياسية وعسكرية تغنيه عن مواجهة أوباما وتعطل قيام الدولة الفلسطينية التي لا يريدها. نتنياهو يعلم أن الأسهل عليه أن يفاوض على الجولان لأنها ليست أرضا مقدسة عند اليهود، ولا يوجد فيها عدد كبير من المستوطنات، ولا يقيم فيها لاجئون، ولا تتطلب دولة جديدة، بل أرض محتلة تعاد إلى أصحابها وهناك العديد من التفاهمات السورية الإسرائيلية السابقة حولها. والجولان مفتاح الحلول الأخرى في ما يخص دور حزب الله وسلاحه، والعلاقة مع إيران، وكذلك وضع الحركات والفصائل الفلسطينية التي لا تدين بالولاء لقيادة رام الله.