إلى متى؟!

TT

لم تعد قضية الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني مسألة تتعلق بتباين وجهات النظر بين «فتح» من جهة وحركة «حماس» من جهة أخرى، ولكن يبدو أن الخلاف الفلسطيني أعمق بكثير مما كان ظاهرا أو مما كان يروج له من قبل. فـ«فتح» نفسها تعاني من انقسامات حادة وخطيرة وعميقة ظهرت أولا بشكل قوي عقب أحداث أيلول الأسود في الأردن، ثم زادت عقب الحرب الأهلية اللبنانية، ومن بعدها يبدو أنها وصلت لطريق مسدود إثر مباحثات واتفاق أوسلو للسلام بين منظمة التحرير الفلسطينية، وقتها، وإسرائيل. وظهرت هذه الخلافات وحدتها مؤخرا عقب تصريحات فاروق القدومي بحق محمود عباس ومحمد دحلان واتهامه لهما بأنهما بطريقة أو بأخرى تواطآ في اغتيال وتسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات. وطبعا هاج وماج الرأي العام الفلسطيني ضد هذا التصريح الذي اعتبره الكثيرون نوعا واضحا من «الإفلاس» السياسي. فالقدومي، أو (أبو اللطف) كما كان يحلو لرفاق المقاومة أن ينادوه، لم يعد له دور على الساحة، وسحبت منه كافة الملفات ذات القيمة، وبات خارج الصورة تماما، مما جعله مادة مهيأة للاستغلال من قبل الآخرين الراغبين في دق آخر مسمار في نعش «فتح» مستغلين ظروفا إقليمية معينة ومناخا إسرائيليا موتورا لا رجاء منه. وخطوة القدومي في واقع الأمر نوع من التجهيز الاستباقي لإهداء السلطة لـ«حماس» حتى في الضفة الغربية، والقضاء على مصداقية رموز «فتح» من العهد القديم أو من جيل المستقبل. وطبعا لا بد من طرح السؤال عن سر «توقيت» طرح القدومي لهذه المسألة في هذا الوقت بالذات، ولماذا التزم الصمت طوال السنوات الماضية، بينما كان بمقدوره أن يقول ما قاله قبلها.

القدومي أحس وشعر تماما بأنه لم يعد في العمر الكثير، وأن مكانته إلى تقلص واضمحلال، وأن الراية على الأرجح ستسلم لدحلان أو مروان البرغوثي بعد رحيل محمود عباس، وأن مكانة فاروق القدومي ستكون حكرا على ذاكرة المقاومة وليست لمستقبل الدولة. القدومي أحس بمرارة شديدة حين أدرك أنه تم استغلاله لمواجهة تسلم محمود الزهار لحقيبة الشؤون الخارجية في حكومة حماس، وبعدها تم إزالة القدومي من منصبه «المؤقت» وتعيين رياض المالكي بديلا عنه بشكل درامي وحاسم، وكان ذلك، عمليا، نهاية تامة لدور الدائرة السياسية التي ترأسها القدومي لسنوات طويلة من مقرها بتونس. هذا المشهد الحزين ما هو إلا إضافة جديدة لمسلسلات الخروج من تحت المظلة الأم «منظمة التحرير الفلسطينية». فجورج حبش ونايف حواتمة وأبو موسى وأبو العباس وأبو نضال، جميعهم، بشكل أو بآخر حاولوا أن يكون لهم كيانهم المستقل وهويتهم المنفصلة وتوجههم الخاص، ولكن حقيقة الأمر هذا زاد في انقسام الآراء وتناقض المواقف مما أضعف المبدأ التفاوضي للفلسطينيين أمام عدو يعشق هذه المشاهد. عشق الكرسي وعدم الرغبة في العمل الجماعي لا يزال علة أساسية في الفكر السياسي الفلسطيني، وهي مسألة وعى لها الكثير من الأطراف التي تعشق الصيد في الماء العكر لأجل تحقيق مآرب كثيرة ومغانم سياسية مهمة. ويبقى التحدي قبل تحرير الأرض الفلسطينية لا بد من تحرير العقلية السياسية أولا.