التعليم بين الولاية والخلافة

TT

أجرت قناة «العربية» قبل أيام مقابلة مع الأكاديمية المتمرسة وزيرة التربية والتعليم العالي الكويتية الدكتورة موضي الحمود، وسألتها عن المناهج التعليمية في الكويت. ركزت إجابة الوزيرة على أهمية تطوير المناهج، وهي أهمية لا يختلف عليها سوى من لا يعيش واقع الحال، ولا يرى مخرجات مناهج التعليم الكويتية.

والإجابة هنا لم تكن مشكلة، المشكلة هي أن مجري اللقاء الإعلامي الذكي سعد العجمي أضاف سؤالا عن تغيير مناهج التربية الإسلامية، فأجابت إجابة عامة ومنطقية بأن المنهج بشكل عام يجب أن يعاد النظر فيه من خلال لجان فنية، بما في ذلك منهج التربية الإسلامية. ومنذ تلك اللحظة ـ بل وحتى قبل إذاعة المقابلة كاملة على شاشة العربية ـ بدأت الاتصالات تنهال على المذيع، والتصريحات تتطاير من كلا معسكري التطرف السني والشيعي في البلاد: فالفريق الشيعي أشاد بتوجه الوزيرة بتغيير منهج التربية الإسلامية الذي يشير إلى الشرك في التبرك بالقبور، ويهاجم فكر التكفير والإلغاء وأهمية زيارة القبور المتعلق بالعقيدة الحقة كما يرونها، وفريق سني متطرف قضى عقودا يتغلغل في صياغة فكره في المناهج التعليمية بالبلاد، سارع إلى تحذير الوزيرة من التعرض للمناهج المتعلقة بالعقيدة الإسلامية الصحيحة كما يرونها.

ودخلت البلاد في دوامة من التصريحات والتصريحات المضادة، وعجّت المنتديات ومواقع الإنترنت و«اليوتيوب» وغيرها بحرب طائفية كلامية بين الطرفين منذ تلك المقابلة، وتدور تلك الحرب في محورها حول «جواز التبرك والطواف بالقبور» من عدمه. تتزامن هذه الحرب الكلامية الضروس مع احتفال الإنسانية بالذكرى الأربعين لوصول الإنسان إلى سطح القمر.

واضح أن مخرجات التعليم في الكويت تعاني من التخلف والتراجع، وبنظرة سريعة يدرك المتابع كم من ملايين الشباب العربي يحمل شهادة جامعية ولا يستطيع الحصول على عمل، وإن وجده فهو غالبا ما يكون بعيد الصلة عن تخصص شهادته، وواضح أن مخرجات التعليم لا ترتبط بسوق العمل الحديث، ولا صلة لها بتغيرات العصر، ومن يجادل في ذلك فما عليه سوى قراءة أسماء بعض من شاركوا في هذا الجدل العقيم حول «زيارة القبور»، فغالبيتهم يحملون شهادة الدكتوراه، ولا أعلم أية دكتوراه يمكن أن يحملها الواحد ويدخل في جدل مثل هذا.

حري بمن دخلوا في الجدل حول المناهج التعليمية أن يركزوا على صياغة فلسفة للتعليم تتبنى منهجية تعليمية وتربوية متوسطة المدى تحدث ثورة في تفكير التلميذ بعد خمسة عشر عاما من جلوسه على مقاعد الدراسة وخروجه إلى الحياة وإلى سوق العمل، وأن يبحث هؤلاء عن صيغ عملية لتفجير إمكانات العقل، ورصف طرق التفكير العلمي البحت الذي من شأنه أن يخرّج إنسانا يتجاوز الماضي ليعيش الحاضر وعقله مشغول بالمستقبل.

في سياق جدلهم على ضرورة تعديل مناهج التربية الإسلامية، تباكى متطرفو الشيعة في الكويت على الوحدة الوطنية، بينما هاج وماج متطرفو السنة دفاعا عن «العقيدة الحقة»، لكن العارف لفكر الفريقين يدرك أن لا هذا الفريق ولا ذاك يؤمن بالوطن ولا بالمواطنة القطرية، ناهيك عن عدم إيمانهما بالتعليم العملي الذي يخرّج مواطنا سويا، قدر ما يهم هذا الفريق أن يخرج التعليم متطرفا يؤمن بالخلافة، أو متخلفا يؤمن بالولاية ـ ولاية الفقيه.

لجدل المناهج في الكويت دروس وعبر، وعلى المتابع أن يتعلم كي لا نخوض حرب «صفين» ثانية، لأننا قررنا أن نسلم مستقبلنا ومستقبل أطفالنا لعقول تعيش في الماضي، ولا يهمها المستقبل قدر همها التطلع لتعليمات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع مهما فُرضت.

تذكروا السودان، وبعدها طالبان، وحاليا إيران!