بقرة السياسة

TT

في السياسة الدولية جزء سيريالي يستثير الدهشة، فعبور بقرة من حدود دولة لأخرى يمكن أن يثير أزمة سياسية كقصة البقرة اليونانية التي عبرت الحدود قبل أيام إلى تركيا فاعتقلتها السلطات التركية، ووضعتها في الحجر الصحي، وحينما تأكدت السلطات التركية من سلامة البقرة بعثت عبر وزارة خارجيتها ـ بحسب صحيفة سبق الإلكترونية ـ بمذكرة رسمية قبل عشرة أيام إلى الخارجية اليونانية تطالبهم فيها باسترداد بقرتهم، وإلا فإنها ستصبح بعد 21 يوما بقرة تركية غير قابلة للاسترداد بحكم القانون.

أزمة البقرة اليونانية ذكرتني بأزمة صاعد الشجرة الذي سوف يقطف لنا بقرة:

"يا طالع الشجرة

هات لي معاك بقرة

تحلب وتسقيني

بالملعقة الصيني"

وكانت براءة الطفولة تسعفنا في تخيل أن ثمة أشجارا تنبت أبقارا، وكبرنا لنعرف بعد ذلك أن شجرات النيم القليلة في مدينتنا جدة في ذلك الزمان لا تنبت سوى ظلالا يرتاح في أفيائها المتعبون، وأن وجود البقرة على الشجرة مسألة معقدة الدلالة، واكتفينا ـ من يومها ـ بأن نطلق على كل غبي، محدود التفكير لقب ثور، وانفلتت مجموعة من الثيران المستوردة من عقالها في ميناء جدة، وعاثت في المدينة نطحا وركلا لتؤكد النظرية، وراجت في المدينة آنذاك ـ وفق قانون تداعي المعاني ـ بعض الحكايات التراثية القديمة عن البقر، وأشهرها حكاية بقرة الوالي، وتشير إلى أن واليا في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان كانت له بقرة ضخمة ترعي في أسواق المدينة ، تمر على الحوانيت، وتدلق في جوفها كل ما تراه في طريقها من حبوب وخضروات وفواكه، ولا يجرؤ أحد على هشها أو نشها أو طردها، وحينما عيل صبر الناس في السوق قرروا التجمع، والذهاب إلى الوالي ليشكو إليه بقرته، وفي الطريق إلى قصر الوالي المهاب بدأت أعداد المحتجين في التناقص، وعند بلوغ ديوان الوالي، وجد زعيمهم نفسه وحيدا، فسأله الوالي عن حاجته، فقال:

ـ "يا مولانا إن بقرتك المصونة تعاني من الوحدة وجئت لاقترح على جنابكم الموقر أن تحضر لها ثورا يؤنس وحدتها، ويزيد بهجتها!"

وفي نيوزيلاندا حينما هم الوفد الصحافي الشرق أوسطي ـ الذي كنت عضوا فيه ـ على الدخول على حضرة الثور العظيم الذي يعتبر الأب لنصف مليون عجل عبر التلقيح الصناعي أدخلونا غرفة تعقيم، وألبسونا ملابس صحية، فسأل أحدنا: هل تفعلون ذلك خوفا علينا من الثور؟ فقال الدليل المرافق بدم بارد: "لا، إننا نخاف على الثور من العدوى!"، وقد أوشك جواب الدليل أن يثير أزمة حينما غضب بعض الصحافيين، واعتبروا ما قاله الدليل إهانة تفرض عليه الاعتذار.

وما سردته غيض من فيض من حكايات هذه الأبقار البريئة التي تجد نفسها محشورة في دوامة الأزمات السياسية والإنسانية والأدبية، فمن كان منكم في حوزته قصة لبقرة فليطلق عقالها.