لماذا يفضل أوباما احتمالات فوزه؟

TT

لم تكن بلاغة أوباما هي السمة المميز له، ولكنه أخيرا قدم التعريف الصحيح لرئاسته: «لا تراهنوا ضدنا».

وتوجد أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن كلماته الواثقة، التي أطلقت على إصلاح الرعاية الصحية، ولكنها تحمل تطبيقا أشمل، ليست عبارة طنانة عن قوة خادعة مبالغ فيها. ولكنها تعكس الأوراق الرابحة التي يحملها أوباما، الذي بدأ اللعب بها في الوقت الحالي فقط.

وبالطبع لم يفكر أحد على الإطلاق في أن تمرير مشروع قانون الرعاية الصحية سيكون سهلا، وقد اصطدمت المحاولة مؤخرا بصعوبات في التكاليف وكيفية تغطيتها.

ولكن لا يرى أوباما الأمور بالطريقة التي يراها بها حلفاؤه الديمقراطيون الأكثر عصبية، لأنه لم يعش الأعوام التي كان الحزب فيها منهزما في واشنطن. ويملك الكثير من الديمقراطيين تصورا للواقع السياسي، الذي شكله فشل اقتراح بيل كلينتون للرعاية الصحية، والثورة الجمهورية عام 1994، وفوز الحزب الجمهوري أثناء الفترة الأولى من رئاسة بوش.

ولكن تحول ذلك العالم رأسا على عقب عام 2005، وهو العام الذي وصل فيه أوباما إلى واشنطن. وتلاشت قوة بوش بفشل اقتراح تخصيص الأمن الاجتماعي، وردود الأفعال العنيفة التي أعقبت إعصار كاترينا، وزيادة خيبة الأمل في حرب العراق. وفي نهاية عام 2006، بعد وصول أوباما بأقل من عامين، تمكن الديمقراطيون من السيطرة على كل من مجلسي الكونغرس.

وتكمن المفارقة في أن خبرة أوباما المحدودة في ظل السيطرة الجمهورية، تجعله أكثر ارتياحا من الكثير من حلفائه في استخدام القوة النابعة من الأغلبية الديمقراطية الكبرى.

وهي قوة حقيقية. ولم يتضح ذلك بصورة أكبر من مسار معركة ترشيح سونيا سوتومايور للمحكمة العليا، أو اللا معركة.

وكثيرا ما يقال إن الجمهوريين لم يدخلوا في معركة ضدها، ولكن نادرا ما يذكر سبب تعاملهم السلمي، فقد تقيد الجمهوريون بصورة كبيرة لأنهم ببساطة لا يملكون النفوذ العددي.

لو كان مجلس الشيوخ منقسما بصورة أكثر تقاربا، لشن الحزب الجمهوري حملة أكثر شراسة، لتزيد تكلفة تأييد الديمقراطيين المعتدلين لسوتومايور. ولكن لمعرفتهم بأنهم لن يحصلوا مطلقا على الأصوات الكافية لوقفها، قرر الجمهوريون الانتظار حتى تحين لحظة أكثر ملائمة للدخول في معركة حقيقية.

وتنجح الأرقام أيضا على طريقة أوباما، في قضايا أخرى. وقد تحقق الكثير على يد 44 عضوا ديمقراطيا في مجلس النواب، الذين انشقوا على موقف الرئيس بمعارضة مشروع قانون الحد من الانبعاثات في الشهر الماضي. ولكن كانت الحقيقة الأهم هي أن الديمقراطيين يملكون تلك الأغلبية الكبيرة، التي تمكنهم من خسارة كل تلك الأصوات والسيطرة على المجلس، على الرغم من ذلك، حتى لو بفارق ضئيل. ومنحت الأعداد ذاتها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، مساحة كبيرة للمناورة في إقناع مجلس النواب بمشروع قانون الرعاية الصحية.

ومع وجود 60 صوتا في مجلس الشيوخ، يستطيع الديمقراطيون، في الأساس، تنفيذ إرادتهم فيما يتعلق بالرعاية الصحية بدون أي تأييد جمهوري. ويلتزم أوباما بالتسويات للحصول على تأييد الديمقراطيين المعتدلين. ولكن يعني حجم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ أنهم لن يستطيعوا إلقاء اللوم على الجمهوريين إذا لم يمرر مشروع القانون. ويزيد ذلك من الضغط الذي يتعرض له الديمقراطيون المعتدلون لتحقيق الأمر.

وهكذا توجد سخرية في اللعبة، التي يجب على أوباما أن يلعبها. فسوف يستمر في الحديث فيما يتعلق بالتسوية بين الحزبين، لتظل إمكانية اجتذاب جمهوريين إذا كانت هناك حاجة إليهم، ويبدو أن السيناتور أوليمبيا سنو (الجمهورية عن ولاية مين) تميل إلى العمل معه، ولأن مثل ذلك الأسلوب يجذب الديمقراطيين المعتدلين، الذين يجب أن يخفف من حساسياتهم.

ويساعد أسلوب الانفتاح على الطرف الآخر، على الحصول على تأييد المستقلين سياسيا في جميع أنحاء البلاد. وهو يحتاج إليهم للحفاظ على معدلات شعبيته الجيدة، التي تشكل نوعا من رأس المال السياسي.

ولكن ينبغي على أوباما في الوقت ذاته، إقناع الديمقراطيين بأنهم لا يعيشون في عصر الكونغرس الجمهوري في عام 1995 أو 2003، وأنه إذا لزم الأمر، فهم يمتلكون قوتهم للفوز. وكانت تلك هي الرسالة الضمنية التي بعث بها أوباما إلى السيناتور ماكس بوكوس، (الديمقراطي من مونتانا) لدفعه لإنهاء مفاوضاته التي طالت بدرجة محبطة بشأن الرعاية الصحية مع الجمهوريين في اللجنة المالية في مجلس الشيوخ.

وكان إجبار بوكوس، على التحرك ضروريا للحفاظ على القوة الدافعة. وإذا بدا من المرجح أن أوباما سيفوز، فستصبح جماعات المصالح أكثر وضوحا، والأكثر احتمالا أن يتحد حزبه وأن يميل المزيد من الجمهوريين لعقد صفقة.

وأخيرا، لذلك يريد أوباما أن يتأكد من أن حزبه يضع رهانه معه، وليس ضده. وكان محور رسالته لزملائه الديمقراطيين، هي أن الأشياء الوحيدة التي يجب عليهم أن يخشونها هي المخاوف والشكوك، التي تولدت لديهم عندما كانوا قلة ضعيفة. ولا تساور أوباما تلك الشكوك، لأنه لم يعرفها مطلقا.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»