سياسة أوباما تتوقف عند المنعطف

TT

إما أن إسرائيل تتدلل، أو أن أوباما لا يفعل شيئا..

هذه هي خلاصة الجدل الإسرائيلي ـ الأميركي، منذ أن أصبح نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل، ومنذ أن أصبح باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأميركية. وتنطوي هذه الخلاصة على ثنائية نظرية، ثنائية إسرائيل ـ أميركا. ولكنها ثنائية لا وجود لها على أرض الواقع، إذ لا يمكن أن يقف الطرفان كندين، فإسرائيل ليست في هذه الثنائية أكثر من تابع. إنها الولاية الثانية والخمسون كما يقول كثيرون، ومنهم سياسيون وإعلاميون أميركيون. وهي أيضا جزء من السياسية الأميركية الداخلية، باعتبار أن أميركا تتبنى إسرائيل، وما تفعله إسرائيل في خدمتها كبير وهام، وما تفعله إسرائيل لمصلحتها الخاصة تتفهمه أميركا وتقبل به، وتقدم لإسرائيل العناية السياسية اللازمة من أجله، حتى لو أساء ذلك إلى سمعتها الدولية.

ولكن الرئيس أوباما أوحى بأحاديثه وخطاباته، أنه يمثل حالة أميركية جديدة. فهو يريد بالفعل لا بالكلام إيجاد حل فعلي للصراع العربي ـ الإسرائيلي. وهو يريد أن ينهي خروج إسرائيل على القانون الدولي، هذا الخروج الذي عرقل طويلا مفاوضات التسوية وأفشلها. وهو يريد أن يأمر فيطاع، واتخذ من أجل ذلك موقفه الأول الداعي إلى أن تعلن حكومة نتنياهو قبولها لحل الدولتين، وأن تعلن أيضا موافقتها على وقف الاستيطان الذي عرقل كل بحث ممكن في موضوع حل الدولتين. وقد استبشر كثيرون بهذه البداية الواضحة للرئيس الأميركي الجديد، واستبشروا بشكل خاص بملامح الصدق التي بدت عليه وهو يتحدث أو يخطب، وبخاصة في خطاب القاهرة الذي وجهه إلى العرب وإلى العالم الإسلامي. وكانت المفاجأة حين رفض نتنياهو قبول الموقف الأميركي، وعرقل بذلك مضي الخطة الأميركية خطوة إلى الأمام، وتوقفت بسبب ذلك المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وبدأ الجميع يراقبون ماذا سيحصل.. هل سيرضخ نتنياهو وهو الذي يحتاج إلى الدعم الأميركي كقضية حياة أو موت؟ أم أن الرئيس الأميركي سيتراجع ويخسر بذلك هيبته وسمعته السياسية الدولية؟

في لحظة الترقب هذه، أشارت الولايات المتحدة إلى بعض ما لديها من أسلحة الضغط. أعلنت أولا أن على إسرائيل أن تنضم إلى معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. وأعلنت ثانيا أن عليها أن تنصاع لقرار محكمة العدل الدولية الخاص بجدار الفصل العنصري، والداعي لإزالة هذا الجدار. وأعلنت ثالثا أن على إسرائيل أن توقف بناء الحي الاستيطاني في حي الشيخ جراح في القدس. ومع تتالي الإعلان عن هذه المواقف، ظهرت إمكانية تفاؤل بأن الرئيس أوباما جاد فعلا باستعداده للضغط على إسرائيل، وهو قد لوح لها بالعناوين، منتظرا رد فعل إيجابيا منها.

لم تتجاوب إسرائيل مع أوباما، بل إنها تحدته وأعلنت رفضها لمطالبه. قالت عن الاستيطان إن وقفه غير منطقي لأن وقفه يمس حياة المستوطنين. قالت عن قرار المحكمة بشأن جدار الفصل العنصري إن الجدار لعب دورا في حماية أمن إسرائيل وهدمه عودة لتهديد هذا الأمن. أما في استيطان القدس فقالت إنها تستغرب الموقف الأميركي الذي لم يسمع بعد أن القدس جزء من أرض إسرائيل.

إزاء هذا التحدي الذي رفعت إسرائيل رايته في وجه أوباما، وقف الكل ينتظر نوع المواقف المضادة التي سيعلنها أوباما ضد نتنياهو وحكومته، ولكن المفاجأة كانت أن هذه المواقف لم تظهر على الإطلاق، وظهرت بدلا منها مواقف تسير في الاتجاه الآخر، الاتجاه المضاد، الاتجاه الذي يعود إلى نغمة الضغط على العرب وعلى الفلسطينيين. وهكذا بدأنا نسمع من جديد، أن الرئيس الأميركي ينتظر خطوات حسن نية من العرب. وبدأنا نسمع من جديد أن الرئيس الأميركي لديه تقييم سلبي للقيادة الفلسطينية وقدرتها على السيطرة، أو قدرتها على المبادرة. وفهم الجميع بعد هذه الإشارات أن الرئيس الأميركي لن يضغط على إسرائيل، ولن يستفيد من تبعيتها لكل ما هو أميركي (في السلاح، أو في أسواق بيع السلاح، أو في القروض السنوية والدائمة) من أجل دفعها للسير في الاتجاه الذي يريده. وفهم الجميع أنه بما أن الرئيس الأميركي قد عاد إلى نغمة دفع العرب لتقديم مبادرات باتجاه إسرائيل، فهو إذن لم يعد في وارد بلورة سياسة أميركية جديدة، بل هو سيكرر سياسات أسلافه.

وهكذا.. فإن ما بدا أنه سياسة جديدة، يريد الرئيس الأميركي تطبيقها في إطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لم يعد أمرا مطروحا على الطاولة، وإن الرئيس الذي يحظى بمباركة أميركية شعبية واسعة، لم يستطع الصمود أمام إشارات التحدي الأولى للوبي اليهودي، وكان من نتيجة ذلك أن شعبيته تراجعت في الاستطلاعات، وبسرعة إلى ما تحت 60%. وفاتت على العالم كله فرصة التعامل مع رئيس أميركي من نوع جديد، إلا إذا كان الرئيس أوباما يخبئ في جعبته مخططات لمعركة سياسية سيفاجئ بها الجميع.

من المفيد هنا أن نتذكر أنه بينما ضغطت إسرائيل، ومعها أدواتها الأميركية، على الرئاسة الأميركية، فإننا لم نشهد ضغوطا عربية موازية، رغم أن الكل يعرف مدى حاجة الولايات المتحدة الأميركية إلى الدعم العربي والإسلامي في قضايا أفغانستان وباكستان وإيران. فإما أن العرب لم يفعلوا، أو أنهم قدموا الدعم والمعونة للسياسة الأميركية من دون طلب مواز.

ربما يكون من المفيد في هذا المجال أن نسجل بعض ما يقوله الإسرائيليون عن الموقف العربي (صحيفة «إسرائيل اليوم»، الكاتب يعقوب عميدرور، 23/7/2009). يقول الكاتب:

«قرأت التقرير الذي يقتبس عن موظف أميركي كبير، وصف لقاءات الرئيس أوباما مع الملك عبد الله ملك السعودية. ويتضح من التقرير أنه رغم قدرات الإقناع المذهلة لدى الرئيس أوباما، فإن الأمر لم ينجح هذه المرة. فقد رفض الملك السعودي تخفيف موقفه، وإعطاء الرئيس ولو شيئا ما كي يشير إلى مرونة عربية، بل إنه لم يوافق على أية بادرة تدفع إلى الأمام مساعي الرئيس لجلب الأطراف إلى طاولة المباحثات».

وورد في مقال الكاتب أيضا، أنه في عام 1945، التقى الرئيس الأميركي روزفلت مع الملك عبد العزيز والد الملك عبد الله، وذلك على ظهر سفينة توقفت في مياه «البحيرات المرة» في مصر. كان الرئيس روزفلت معروفا بقدرته على أسر قلوب سامعيه، وكان واثقا من أن قدرته هذه ستنجح مع الملك السعودي حين يطلب مساعدته في إنشاء وطن لليهود في فلسطين، ولكنه فشل آنذاك تماما، فالملك لم يكن مستعدا للتنازل، وعاد الرئيس فارغ اليدين.

ويستنتج الكاتب من كل هذا: «إنه بعد 64 عاما من اللقاء الأول مع الأب، لم تتغير الأمور مع العرب. وبعد 64 عاما أيضا لم تتغير الأمور في واشنطن». وتختتم الصحيفة قائلة: «إن ما كان هو ما سيكون».

ونأمل ألا يكون هذا الاستنتاج الإسرائيلي لما يجري في البيت الأبيض هو النهاية.