من النار إلى النور حياتنا!

TT

من المناسب أن نتذكر دائما أسطورة إغريقية تتحدث عن أحد الأبطال الذي مد يده إلى الشمس وأخذ جزءا من نارها ليعطيه لبنى الإنسان.. هذا البطل اسمه بروميثيوس.. ويبدو أن آلهة الإغريق كانوا قد قرروا أن الإنسان يجب أن يعيش في الظلام والرطوبة.. لأن الإنسان إذا عرف النار والنور أصبح شامخا عظيما.. وأصبح قادرا على تحدي قوى الطبيعة.

ولذلك قرر الآلهة أن يعاقبوا هذا البطل.. وآلهة الإغريق هم آلهة التعذيب وفنون التعذيب.. واختاروا لهذا البطل أسلوبا فريدا من العذاب.. وربطوه بالسلاسل إلى إحدى الصخور.. وجاء نسر عظيم يأكل قلبه.. وكلما اختفى في أحشاء النسر.. نبت قلب جديد للبطل.. وتجدد عذابه إلى الأبد!

إن هذا استحق العذاب الأبدي: لأنه اختطف النور والنار للبشر.. لأنه أراد أن يغير ما في الناس.. أراد أن يجعل ليلهم مضيئا كنهارهم وأن يجعل ليلهم دافئا كنهارهم ولأنه أراد أن يخرجهم من الكهوف إلى مدن الحضارة.

وهذه النار أعطت للإنسان عمرا أطول وحياة أنفع.. وجعلته إنسانا يعيش في البيوت لا في الكهوف كالحيوانات.. ثم جعلت هذا الإنسان يتمرد على كل ما هو موروث.. تقليدي.. يتمرد في الدرجة الأولى على أنه خُلق في الظلام، ويجب أن يبقى في الظلام والجهل والمرض والفقر والذل والهوان..

فالنار جعلت الإنسان أقوى وأكثر تمردا على مصيره وقدره وجعلته يؤمن بأن قدره ليس أن يكون مظلوما ولا أن يكون فقيرا ولا أن يكون بلا رأي في شيء ولا متطلعا إلى شيء.. وقادة الشعوب وزعماؤها المخلصون هم هؤلاء الأبطال الذين مدوا أيديهم إلى النور والنار وأعطوها لشعوبهم واختاروا العقاب والعذاب.. اختاروا أن تشدهم الهموم إلى صخور المسؤولية وأن تجيء الشعوب وتعيش من نور عيونهم وعلى دقات قلوبهم.. وتستدفئ بوهج حياتهم. وأن تطول أعمار الشعوب لأنها سحبت رصيدا نادرا من أعمار أبطالها وزعمائها..

ولو سُئل هؤلاء الأبطال جميعا إذا عدتم إلى الحياة من جديد فهل تختارون نفس النهاية بكل ما فيها من عذاب وحرمان.. لأجابوا جميعا نعم.. ولذلك فحياتهم عبرة وتضحياتهم مثل أعلى!