إنكار النكبة

TT

المعركة ليست على لافتة في شارع ولا على مكانة اللغة العربية، والمعركة ليست على مناهج التدريس في الصف الثالث أو الرابع، إنها معركة على الوعي وعلى الرواية وعلى السرد التاريخي، إنها معركة على المفتاح.. مفتاح الخشب، المعركة ليست قرارا بتغيير لافتات على المستوى الفني والتقني، إنها محاولة تهويد الرواية وصهينتها وإنكار عروبة البلدات، وضحية هذه المعركة بل عنوانها هم أبناء الجيل الناشئ الذي يراد له أن يتربى على (نتسرات) وليس الناصرة (يروشلايم) وليس القدس، (غوش حلاف) وليس الجش، وعلى (الكومميوت)وليس النكبة، وعلى الرواية الصهيونية وليس الرواية الحقيقية.

إنهم يخافون، العنصريون يخافون لأنهم لا يثقون بروايتهم أو ثباتها، ولذلك فهم ينقضون على الكلمة والوعي والتاريخ في محاولة لإعادة كتابته من جديد بعدما بدأت تترسخ في العقدين الأخيرين روايتنا المناهضة للرواية الصهيونية، وبدأت تترسخ هنا وهناك وليس فقط بيننا، وإنما في أوساط أكاديمية إسرائيلية، حتى في الجامعات ومراكز الأبحاث، وكذلك في الغرب وجامعاته، إنهم ينقضون على كل من يريد أن يستذكر مأساته ومأساة عائلته أو بلده المهدمة، إنها نكبة حقيقية تلك التي حصلت في عام ثمانية وأربعين عندما تشرد الناس وتشتتت العائلة وصودرت الأرض وطرد الناس وهرب البعض وتحطم شعب بأكمله قبل أن يعيد بناء ذاته، أليست هذه نكبة؟ أليست هذه مدعاة للتذكر من باب الرغبة الإنسانية من جهة والمشاعر الوطنية من جهة أخرى كي لا يكرر التاريخ نفسه، لأن هناك في يمين إسرائيل من يريد لنا نكبة أخرى تشهد نزوحا أو إخلاء أو بمبادرة طوعية.

أليس هذا ما يقوله (جدعون ساعر) في قراره إلغاء تعليم النكبة في مناهج التدريس و(ألكس ميلر) في قانونه معاقبة مؤسسات تحيي النكبة أو لا تعترف بيهودية إسرائيل و(يسرائيل كاتس) في تغييره اللافتات، هؤلاء يربحون نقاطا لا بأس بها في أوساط اليمين، فكل ما هو معاد للعرب في هذه الأيام مربح سياسيا. الأجواء قاتمة ومعبقة بكراهية العرب، والعنصرية رفعت رأسها واستفحلت وانتقلت منذ حين من الشارع إلى الكنيست والحكومة، وأصبح كل شخص عنصري ملكا أو قد نقول وزيرا أو حتى نائبا لرئيس الوزراء.

إنها أيام ليست سهلة، ولكن من الأجدر أن تسمى أيام الحرب على العنصرية، نشعر أحيانا أننا وحدنا نحارب، لأن هناك من يخطئ ويعتقد أننا سنكون الضحية الوحيدة للعنصرية، ينكرون علينا حقنا في الأرض، المسكن، التعليم، في الشجر والحزن والذاكرة واللافتة، ولكن من ذاك الغبي الذي قال لهم إن الأمم تحكمها لافتات أو كتيبات، حسنا يفعل أولئك العنصريون لو قرأوا كتب التاريخ بالعبرية لشعبهم وبالفرنسية للجزائر وفي كل لغات العالم، أسماء العنصريين تغيب ويبقى الأصل، إسمنت الجرافات يتهدم وتبقى المسطبة، والزيتون أبقى من الأوكالبتوس، والنكبة أقوى من منكريها.

احملوا أسماءكم وانصرفوا، اسحبوا ساعاتكم وانصرفوا وخذوا ما شئتم من صور (أو لافتات)، كي تعرفوا أنكم لن تعرفوا كيف يبني حجرٌ من أرضنا سقف السماء، أيها المارون بين الكلمات العابرة، اخرجوا من ملحنا.. من جرحنا.. من كل شيء، واخرجوا من ذكريات الذاكرة أيها المارون بين الكلمات العابرة..

* نائب في الكنيست الإسرائيلي ورئيس كتلة «القائمة العربية الموحدة للتغيير»