لهذا لا يساعدون أبو مازن

TT

في العالم العربي لا بد أن تكون مزعجا، أو مصدرا للمشاكل، حتى تحظى بالرعاية والاهتمام. أما إن احترمت الأنظمة، ولم تحدث جلبة، أو توقع قتلى وانفجارات، فإن أحدا لا يبالي بك. لذا ليس غريبا ان يسعى الصوماليون لاستضافة تنظيم القاعدة وخطف السفن بحثا عن الانتباه والدعم. حكومة السلطة الفلسطينية منذ أكثر من ثلاث سنوات، وهي مؤسسة محترمة تنفذ كل ما طلب منها، ببناء المؤسسات الحكومية، وتلتزم بواجباتها تجاه مواطنيها البلدية والخدمية والمالية، ونجحت في القضاء على الفساد الذي كان منتشرا، وقلصت المحسوبيات، ووازنت ميزانيتها الصغيرة، ولم تصدر بيانا تبكي فيه وضعها المادي السيء، وانتظرت بالباب على أمل ان يفي المانحون بوعودهم المالية، لكن الأغلبية خذلوها. السبب ان السلطة الفلسطينية اليوم غير أيام زمان، فهي الآن لا تشتم الآخرين، ولا ترسل إرهابيين، ولا تثير الإزعاج للحكومات العربية، ولا تغض الطرف عن المتطرفين ينفذون عملياتهم في المنطقة. النتيجة ان أحدا لا يساعد حكومة أبو مازن لأنهم لا يخافونه ولا يرجونه أيضا.

الصورة أكثر وضوحا عندما نرى مليارات الدولارات تمطر على لبنان بسبب جرائم فتح الإسلام، ومغامرات حزب الله، والاشتباكات الكلامية بين قادة الطوائف، في حين ان الضفة الغربية التي تعاني منذ سنوات ولا تملك مداخيل بذاتها وتجلس منتظرة السلام أو العودة للحرب فإن مصيرها الإهمال. ولو ان السلطة الفلسطينية فتحت فمها صراخا وشتيمة، أو أطلقت عنان أجهزتها الأمنية في معارك مع خصومها وسالت الدماء في رام الله لرأينا الوفود العربية تتقاطر على القاهرة في اجتماعات عاجلة بكرم استثنائي، تدعو للتهدئة وتعد بدفع ثمن الخراب ودعم الميزانيات، كما فعلت مع غزة.

إنه أمر معيب ان يتحدث العرب بحرقة مزورة عن فلسطين، ويذرفون دموع التماسيح على مأساة الفلسطينيين، ويشجبون إسرائيل ليل نهار، في حين ان الجهات شبه الوحيدة التي تدفع ثمن الخبز واللحاف لأهالي الضفة الغربية اليوم هم الأميركيون والأوروبيون. مطلوب من السلطة الفلسطينية ان تتدبر أمر أكثر من 4 ملايين فلسطيني كل يوم، بما فيهم من يسكن في غزة. مطلوب منها ان تحافظ على السلام داخل أراضيها وان تقنع مواطنيها بانتظار الفرج، وان ينسوا نماذج سيئة مثل أبو نضال. مطلوب منها ان تلتزم بمواقفها وبياناتها لكن لا أحد من العرب يتحمل معها المسؤولية. واشنطن دفعت هذا الأسبوع مائتي مليون دولار في حين لم يدفع احد شيئا من الحكومات العربية رغم كثرة المؤتمرات والوعود.

انا لست في صف تقديم المعونات لكن وضع السلطة الفلسطينية اليوم استثنائي، فهي في حالة تأسيس دولة مدنية تهيئ لدولة مستقلة تقوم على قدميها اقتصاديا لا سياسيا فقط. مطلوب منها ألا تخطيء فتفتعل المعارك ألا تسمح للفصائل بأن تتقاتل.

ثقوا ان الدولة الفلسطينية لم تعد سرابا كاذبا بل على مرمى حجر رغما عن القوى الإسرائيلية التي تحاول تعطيل الدولة لذا تحتاج كل دعم لتصمد حتى تعبر الأيام القليلة الفاصلة. وإذا كنا لا نستطيع لوم الإسرائيليين على سعيهم المستمر لتخريب الدولة الجديدة قبل ان تولد، بسد الطرق، ومد الجدار، وطرد القرويين من قراهم، وحرمان الفلاحين من مزارعهم، ووضع العراقيل على الواردات والتجارة، فمن واجبنا ان نلوم الجانب العربي الذي لا يتحرك إلا إذا رأى الحرائق أو الدم أو أحرج أمام الرأي العام.

[email protected]