أقدار ولا تفسير

TT

القدر قدران: قدر الأمم وقدر الأفراد. وفي الحالتين لا تفسير ولا شرح. الطائرة اليمنية التي سقطت في جزر القمر نجت منها فتاة واحدة. 158 شخصا آخر لم ينجوا. نقيب الصحافة اللبنانية السابق، زهير عسيران، كان مرة في دمشق يستعد لأن يستقل الطائرة إلى بيروت. تأخر قليلا في المسامرة مع بعض الأصدقاء، وعندما وصل إلى المطار، كانت الطائرة قد أقلعت فعاد إلى الفندق ونام. صباح اليوم التالي وصلته الجريدة مع الفطور، فأدرك من عنوانها الأول أنه نجا من طائرة الأمس. الناجي الوحيد على لائحة الركاب.

أعطيت تواريخ عديدة لسقوط الاتحاد السوفياتي. البعض قال لحظة جدار برلين. والبعض يقول، يوم قبِل ميخائيل غورباتشوف مناقشة الناس في ساحات عواصم البلطيق. والبعض قال يوم فتحت حدود هنغاريا أمام الألمان الشرقيين. قرأت تفسيرا آخر لكاتب مجري: قرر قادة أوروبا الشرقية اللقاء في بودابست لكي يعترضوا على حالة «الاسترخاء» على الحدود المجرية. وكان أشدهم غضبا زعيم رومانيا وزعيم تشيكوسلوفاكيا وزعيم ألمانيا الشرقية، إريك هونيكر، الذي أعد مشروعا صارما لعرضه على الرفاق. لكن هونيكر أصيب بنوبة مفاجئة في الكبد، فاضطر للعودة إلى برلين الشرقية. وفرط المؤتمر. ثم فرطت الحدود. ثم فرط الاتحاد.

أشهر قصة قدرية في السياسات العربية قصة الانقلاب الذي أعده ناظم كازار ضد أحمد حسن البكر وصدام حسين. كان يفترض أن يعود البكر في السادسة من مساء 30 حزيران من زيارة رسمية في فرصوفيا وبلغاريا. صباح ذلك اليوم «خطف» ناظم كازار وزيري الداخلية والدفاع وملأ المطار بالقناصين من رجاله، مع الأوامر باغتيال الرئيس ونائبه. لكن البكر تأخر ساعتين في مدينة فارنا البلغارية بسبب الاحتفاء به، من دون أن يبلغ بغداد بالأمر. خلال الانتظار ثمة من تنبه إلى عدم وجود وزيري الدفاع والداخلية وناظم كازار نفسه. وتولى إبلاغ صدام حسين الذي قام إلى الهاتف يستفسر. وبسبب تأخر الطائرة تسربل رجال كازار في المطار. والباقي معروف ومتوقع طبعا. بدل اغتيال البكر ورجاله اغتيل كازار واغتيلت آثاره. وعاش صدام حسين ليحكم العراق نحو ثلاثين عاما. كل ذلك بفضل احتفاء غير متوقع في مدينة فارنا.