«الفرقة الهجومية» بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية

TT

عندما تكشفت هذا الشهر معلومات حول برنامج عمليات الاغتيال التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، ركزت التقارير الأولى على ما لم يتم إنجازه: أن الكونغرس لم يتم إخطاره، من المفترض أن ذلك جاء بناء على أوامر من ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، وأن البرنامج لم يثمر أي هجمات من جانب «الفرقة الهجومية» ضد عملاء تنظيم القاعدة.

أثار الأمر الأول استياء أعضاء مجلس النواب من الحزب الديمقراطي، والذين طالبوا بإجراء تحقيق حول الأمر. أما القضية الثانية، فتنطوي في بعض أوجهها على قدر أكبر من الإثارة لما تكشف عنه بخصوص الثقافة البيروقراطية والقانونية التي يعمل في إطارها بعض عملاء وكالة الاستخبارات المركزية.

بدأ البرنامج في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كجزء من جهود أوسع لمكافحة الإرهاب حملت اسما شفريا هو «كانونبول»، ويعني القنبلة. تبعا لما قاله مسؤول سابق رفيع المستوى، دارت الفكرة المبدئية داخل مركز مكافحة الإرهاب حول تعقب عملاء «القاعدة» بمختلف أرجاء العالم و«تهديدهم وإعاقتهم واختطافهم» و(إذا دعت الضرورة) قتلهم.

وتمثل الهدف في أن «كل فرد يتبع (القاعدة) على ظهر الأرض ينبغي أن يساوره القلق من أن شخصا آخر يحوم حولهم طيلة الوقت»، حسبما أشار مسؤول آخر سابق بالوكالة. ورغبت وكالة الاستخبارات المركزية في أن تبعث برسالة مفادها: «إذا كنت تعمل لحساب أسامة بن لادن، سنعثر عليك ونلاحقك».

ويعد هذا هو الأسلوب ذاته الذي يتحدث به الجواسيس في الأفلام، لكن الأمر على أرض الواقع أصعب، ذلك أن بعض الأهداف التابعة لـ«القاعدة» كانت تعمل في دول صديقة بعيدة عن ميدان القتال في أفغانستان، حيث تسمح قواعد الحرب بالقتل. داخل مثل هذه الدول الصديقة، تفضل الوكالة عادة الدخول في شراكات مع هيئات الاستخبارات والأمن المحلية، لأن العمليات يمكن أن تثير قلاقل عنيفة حال انحرافها عن مسارها المنشود. إلا أن مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية رأوا أنهم بحاجة إلى قدرة «انفرادية» في مواجهة «القاعدة»، مما زاد من مخاطر تحركاتهم على نحو بالغ. بعد ذلك، ظهرت مشكلة المراقبة. في هذا الصدد، قال مسؤول حالي: «سحب الزناد أمر يسير، لكن عليك أولا العثور على (الأهداف)».

من أجل جمع المعلومات الاستخباراتية، كانت الوكالة بحاجة إلى فرق من العملاء، ينتمون إلى دول أجنبية. من جانبهم، أوضح مسؤولون سابقون أنه منذ جيل مضى، جندت الوكالة ودربت فريقا من العملاء اللبنانيين لاغتيال عدد من الأفراد المتورطين في تفجيرات عام 1983 ضد السفارة الأميركية وثكنات قوات مشاة البحرية الأميركية في بيروت. وجرت مناقشة داخل الوكالة حول إحياء هذه القدرة مجددا، أو استخدام وكلاء من دول أخرى.

الملاحظ أن هذه القضايا انطوت على تعقيد بالغ، على الصعيدين القانوني والأخلاقي. في 17 سبتمبر (أيلول) 2001، صدر قرار يخول سلطة واسعة للإجراءات الفتاكة ضد «القاعدة». إلا أن مدير الوكالة، جورج تينيت، ومساعديه قرروا، بعد دراسة الخيارات المطروحة أن برنامج عمليات الاغتيال الانفرادية لن يجدي. وفي تعليقه على الأمر، قال أحد مسؤولي الوكالة السابقين: «رأينا أن هذا الأمر غير عملي. تفحصناه وقررنا عدم تنفيذه».

في تلك الأثناء، كان وزير الدفاع آنذاك، دونالد رامسفيلد، يعكف على دراسة ما يمكن للقوات الخاصة القيام به داخل الدول الصديقة. بالفعل، صاغ البنتاغون خطة تمثل اسمها المعلن في «عناصر الربط العسكري». دارت الخطة حول إرسال عملاء إلى الخرج ينتمون إلى قيادة العمليات الخاصة. من جهتها، اعترضت وزارة الخارجية على البرنامج بقوة، خوفا من أن يمنى بالفشل. وعليه، تم تقليص البرنامج. وتم إرسال العملاء إلى السفارات، لكنهم عملوا في حقيقة الأمر بمثابة «ملحقين تابعين لقيادة العمليات الخاصة»، حيث اضطلعوا بمهام غير فتاكة ولم يعملوا كفرق هجومية، حسبما قال مصدر مطلع.

نحى تينيت برنامج وكالة الاستخبارات المركزية جانبا، لكن أحياه خليفته، بورتر غوس. وجرى تجديده مرة أخرى في عهد مدير الوكالة التالي، الجنرال مايكل في هايدن. خلال فترة رئاسة الأخيرة، تمثل الهدف الرئيسي في التركيز على قدرات المراقبة. وساد الاعتقاد بأنها «يمكن تنميتها وتحويلها لشيء آخر» حال تحديد الأهداف، طبقا لما صرح به مسؤول سابق. واستطرد هذا المسؤول موضحا أن هايدن عقد اجتماعين أو ثلاثة فقط بشأن البرنامج، كان آخرها في ربيع 2008.

وجاء ليون بانيتا مديرا جديدا وكالة الاستخبارات المركزية. وبعد استقراره بمنصبه الجديد، تم إخطاره من قبل مركز مكافحة الإرهاب بشأن فكرة الاغتيالات، مما أثار اهتمامه. وأوضح مسؤول حكومي سابق أنه على امتداد السنوات منذ عام 2001 «جرى إنفاق أموال، وتجنيد عملاء، وتدريب فرق، ونشر أفراد». استشعر بانيتا بأن البرنامج يتسم «بتاريخ مضطرب»، وأنه رغم عدم الإقدام على قتل أي شخص فإن «إخفاقات مثيرة لحرج بالغ» تترتب على انحراف عملية ما عن مسارها الصحيح، طبقا لما أضافه هذا المسؤول.

تشير الأقاويل إلى أن بانيتا طرح تساؤلين: هل تم إخطار الكونغرس؟ وهل كان البرنامج قيما؟.. وجاءت إجابة مسؤولي مركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة عن كليهما بالنفي. وعليه، قرر بانيتا في يونيو (حزيران) الماضي وقف البرنامج، حتى إجراء مراجعة أخرى له، علاوة على إخطار الكونغرس بأمره.

الآن، تتهيأ لجنة الاستخبارات داخل مجلس النواب لفتح تحقيق حول البرنامج. وآمل أن يركز التحقيق على التساؤلين اللذين طرحهما بانيتا: لماذا لم يتم إخطار الكونغرس بهذه الفكرة الرامية لتضييق الخناق على «القاعدة» عالميا؟ ولماذا لم تنجح؟.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»