سندريللا هي السواد الأعظم من الشعب المصري

TT

معظمنا يعرف حكاية سندريللا الجميلة، ابنة البيت الأصلية والأصيلة، التي حرمتها زوجة والدها من كل حقوقها وجعلت حدودها المطبخ والمسح والكنس وكل المهام القذرة والشاقة بالمنزل، لا تلبس إلا الممزق ولا تأكل سوى الفضلات، وتنام جوار الفرن تلهو حولها الفئران، رغم أن أبو سندريللا هو المتكفل بالإنفاق. ورغم أن زوجة الأب من جنس سندريللا ودينها إلا أن أنانيتها ولدت في نفسها القسوة التي سوغت لها حرمان سندريللا واغتصاب كل شيء لنفسها ولابنتيها ليعشن في الترف والرفاهية وصدر المجتمع.

عندما اتسخت سندريللا، نتيجة لحياتها الشاقة، اشمأزت منها زوجة الأب وابنتاها، ورفضن مخالطتها إلا على مستوى إلقاء الأوامر حتى انتفى وجود سندريللا الإنساني في أذهانهن، فلم تخطر ببالهن عندما سألهن مندوب الأمير عن عدد الفتيات بالمنزل، وأشارت زوجة الأب إلى ابنتيها فحسب لتحضرا حفلة الأمير، إلى آخر الحكاية المشهورة.

حكاية سندريللا، مثل كل الحكايات الشعبية، مليئة بالدلالات الموجعة التي لا تبارحني، وقفزت إلى ذهني على وجه الخصوص حين أفرغ الشارع القاهري من الشعب خلال زيارة السيد أوباما، فلم ير إلا من وما تم اختياره ليراه بحسبانه «مصر»، لكنها لا تقتصر على هذا المثال فحسب، إنها تتمثل في التوجه العام لأحوالنا، الذي جعل الكاتب أسامة غريب، المتهكم من الألم، لا يتردد في أن يختار لكتابه عنوان: «مصر ليست أمي.. دي مرات أبويا»! رافضا تلك العقلية التي تتملكها الأنانية والقسوة فتتنكر للسواد الأعظم من الشعب، الذي هو من لحمها ودمها، إذ ينتمي الكل إلى أب واحد وأم واحدة، لكن أصحاب تلك العقلية النرجسية الشحيحة تعاموا عن وجوده ندا لهم، فلم يعودوا يرون وجودا للشعب إلا في ذواتهم، وقد استحضروا لأنفسهم مظاهر الأرستقراطية البائدة وانتفشوا بالغرور والمظهرية، زاجرين السواد الأعظم من الشعب ليختفي ـ مثل سندريللا ـ وراء الستائر، حتى لا يعكر واقعه العشوائي البائس عليهم صفو التصور بأن ديكورات الترف المزيف، التي أحاطوا بها أنفسهم، هي الحقيقة الوحيدة لواقع البلاد.

إنهم لا يدركون أن ديكوراتهم رسم رديء للمحات من معيشة غربية زهد فيها أصحابها، الذين، لا شك، يصيبهم الغثيان من جراء التباهي بديكورات رديئة منقولة عنهم، ولن يترددوا في البحث عن وجه شعبي يرون في صدقه كل الجمال رغم البؤس والإهمال، الجمال الذي يزين البلاد بأصالته فيمحو آثار الإساءة الحقيقية لسمعة الوطن، الإساءة التي جلبتها علينا ديكورات الزيف والتكبر والأنانية.

على العموم: ليس ممكنا أن تظل سندريللا مختفية ومطمورة إلى الأبد تحت الكراسي الوثيرة!