أحمر بالخط العريض

TT

أشعر أن برنامج «أحمر بالخط العريض» الذي تقدمه قناة «إل. بي. سي» اللبنانية قد أسهم في توريط بعض الشباب والشابات بتشجيعهم على الحديث في قضايا شديدة الحساسية كالمثلية الجنسية، والخيانة الزوجية، وغيرهما، إذ شكلت اعترافات أولئك الشباب ببعض أخطائهم السلوكية ـ عبر نافذة البرنامج ـ خدوشا حادة لذواتهم وأسرهم، وتتحمل أسرة البرنامج القسط الأكبر من المسؤولية الاجتماعية لكل ما انطلق عبر برنامجها من تجاوزات، وما علق به من شوائب، حيث كان من المفترض بأسرة البرنامج أن تراعي مجالها الاجتماعي العربي الذي تعمل فيه، ومصائر أولئك السذج الذين تجتذبهم للحديث، ثم تتركهم بعد ذلك نهبا لنقد المجتمع، ولربما ملاحقة القانون، ولا يكفي البرنامج أن يتذرع بأنه يلامس، ويناقش قضايا واقعية تعيشها المجتمعات العربية، فلا أحد ينكر وجود بعض المثالب، لكن معالجة هذه المشكلات ينبغي أن تكون لها اشتراطاتها الإعلامية والأخلاقية وإلا تحولت إلى أداة ترويج للأخطاء، وتعزيز لها.

إن شريحة من الشباب العربي تعيش حالة حيرة بين منظومة السلوكيات الغربية التي تبثها الأفلام الغربية والقنوات الفضائية، وبين قيم مجتمعها الذي تعيش فيه، وقد تتوهم ـ في ظل إغراء الظهور الإعلامي ـ أن حضورها المتجاوز في مثل هذا البرنامج يكسبها سمة الحداثة، والعصرية، والانفتاح، فتنزلق في سياقات تعبيرية ربما لا تمثل حقيقتها، وواقعها، ونمط حياتها، ومن هنا تأتي مسؤولية أسرة البرنامج التي لعبت في تقديري دور المحرض، والمحفز، والمشجع لمستويات الظهور المتجاوز في الكثير من الحلقات.

ويدرك الكثير من المشتغلين في قضايا علم النفس نزوع بعض الشباب المرضى إلى الظهور الإعلامي، بصرف النظر عن مضمون هذا الظهور، حتى لو كان سلبيا، ووفق هذا المنظور يمكن تفسير دوافع الكثيرين من ضيوف البرنامج الذين يقفون أمام كاميراته ليعترفوا بالخيانة الزوجية، أو المثلية الجنسية، وغيرها من الأخطاء السلوكية، دون مراعاة لما يترتب على هذا الظهور من نتائج خطيرة كالعزلة، والاستهجان، والرفض الاجتماعي.

وحيث تروج هذه الأيام بعض الأقوال بشأن توقف البرنامج بسبب انتهاء دورته، أو إيقاف القناة له، فقد كنت أتمنى لو أن حلقة أخيرة من هذا البرنامج قامت عبره أسرة البرنامج بتوجيه اعتذار صادق وصريح لكل أولئك الشباب الذين استغلت سذاجتهم وجهلهم، فورطتهم في قضايا حادة مع أسرهم ومجتمعاتهم، وكذلك اعتذار مماثل لمشاهدي البرنامج من الأسر التي خدش حياءها الكثير من سقط القول، وسقط الحكمة.