يا الله صباح خير

TT

تحصل (الالتباسات) في كل الأماكن والأزمان والأشخاص وعلى كل المستويات. (والالتباس) في أغلب الأحيان يكون ناتجاً إما عن الجهل أو الغباء أو الفوضى أو التسرع أو حتى الصدفة المحضة، وكل هذه المسببات نستطيع أن نختصرها (بالخطأ)، وبعض هذه الأخطاء يمكن تصليحها، وبعضها يمكن أن تترتب عليه نتائج مؤلمة أو حتى مدمرة.

وقبل أربع سنوات حصل التباس في مولودين حديثاً، وأخطأت الممرضة وسلمت المولود السعودي للأب التركي، والمولود التركي للأب السعودي، وبعد سنتين كاملتين اكتشف الخطأ، ومن ذلك الوقت إلى الآن وهم يحاولون تأهيل الطفلين لكي يقبل كل طفل بأمه ووالده الحقيقيين، ولكن هيهات أن تقنع طفلا لا يتكلم غير اللغة العربية وباللهجة الجنوبية الصرفة، وتعود على أكل (العصيدة)، أن يقبل العيش مع أسرة لا تتكلم إلا بالرطانة التركية، وتأكل أنواعاً لم يتعود عليها مذاقه ولا معدته، والمثال كذلك ينطبق على الطفل السعودي الذي رضع من الثدي التركي، وتعلم أغاني الأطفال الأتراك، وتعلق بالعلم أو الراية التركية، ولكنني أعتقد أن الزمن كفيل بحل هذا الالتباس أو هذه المعضلة، خصوصا أن الأسرتين منذ تلك المدة يسكنان بجانب بعضهما البعض ونشأت صداقة بين الأمهات والآباء والأبناء كذلك.

ولكن ما رأيكم (بالالتباس) الذي يحصل بين (الأموات)!!، نعم الأموات.

ففي دولة خليجية، تعرض عاملان آسيويان لحادث مروري شنيع تهرشم من خلاله وجهاهما واختفت ملامحهما تقريباً، ونقلهما الإسعاف وأودعا ثلاجة الموتى في المستشفى.

وأخذ المسؤولون بطاقات إقاماتهما، وبعثوا لكل كفيل ببطاقة مكفوله، مع استدعاء له لتسلم جثته ـ وهنا لا بد وأن أنبه وأشير إلى أن أحد العاملين مسلم والآخر غير مسلم ـ.

ووصل أحد الكفيلين وتسلم جثة مكفوله المسلم وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه في نفس اليوم، حيث إكرام الميت سرعة دفنه، وذهب الكفيل لتعزية أهله وشد أزرهم.

وفي اليوم الثاني أتى الكفيل الآخر وتسلم جثة مكفوله غير المسلم وشحنها على وجه السرعة إلى الدولة التي أتى منها، وبعد خمسة أيام أتى اتصال على ذلك الكفيل يخبرونه أن الجثة التي أرسلها ليست لابنهم، فهناك علامات في جسده يعرفونها وهي ليست موجودة فيه، وهم يطالبون بجثة ابنهم.

وعندما علم الكفيل الآخر هاج وماج محملا المسؤولين هذا الخطأ، وطالب بنبش القبر وإخراج الجثة التي لا يمكن أن تدفن في مقابر المسلمين، وفعلا أخرجوها وأودعوها الثلاجة.

ولم تتوقف المأساة عند ذلك، فقد طالبت كل أسرة من أسر العاملين ببدل ضرر من كفيليهما، جراء هذا الخطأ الذي حصل، ووافق الكفيلان، وأرسلا جثة العامل غير المسلم إلى بلده، غير أن أهله عندما شاهدوا هذا التشويه والاهتراء من جراء دفنه لعدة أيام، حتى رفعوا دعوى ضد الكفيل مطالبينه برقم (فلكي)، واحتجزوا جثة المسلم عندهم (كرهينة) ورفضوا إرسالها، مما دعا أسرة العامل المسلم لأن ترفع سقف مطالبتها كذلك على كفيل عائلها.

وإلى كتابة هذه المقالة ما زال الحال على حاله يراوح في مكانه بين شد وجذب.

أعتذر إن خضت معكم اليوم بهكذا موضوع، ولا أملك إلا أن أقول: يا الله صباح خير، ويا فتاح يا عليم.