وسام العار

TT

الأوسمة، النياشين والميداليات رموز للتكريم والاعتراف بالفضل والشجاعة. هكذا ابتدعها الأوربيون منذ نحو أربعة قرون في ما يسمى بعهد النهضة الأوربية (الرنيسانس). وكان المعتاد قبلها إكرام المبدعين بالخبز والأكل، ثم تطور إلى إكرامهم بالفلوس. وهو ما كان يفعله الخلفاء. «زه! أعطوه ألف ألف دينار». ولكن الإكرام تطور أخيرا إلى أوسمة. وأنا واثق أن أكثر المبدعين يتمنون لو نعود بهم إلى أيام الخبز بعد أن وجدوا أن أسنانهم تعجز عن قضم الوسام.

اعتاد الفنانون على تصميم أوسمة المجد والفخار. بيد أن بعضهم اكتشفوا أن ما أنجزه قادتهم وعظماؤهم لم يكن مجلبة لغير الخزي والعار. فصمموا أوسمة عرفت تاريخيا باسم أوسمة العار Medals of Dishonour وهذا عنوان المعرض الذي افتتح مؤخرا في المتحف البريطاني. وكواحد من المهتمين بحكايات الخزي والعار قصدت بناية هذا المتحف المهيب لأتفرج على هذه المعروضات. كان منها ميدالية برونزية للمستر توني بلير، رئيس الوزراء السابق، اعترافا بما أنجزه من خزي وعار في العراق. الميدالية تحمل صورة مجسمة له وهو يكشر عن أسنانه تلك «التكشيرة» الشهيرة ويجعلنا نحن المنخورة أسنانهم نحسده على ما وهبه الله له من أسنان فضلا عما جناه من أموال وأطيان.

من ميداليات العار الأخرى الجديرة بالالتفات وسام المضاربين الماليين. ما أجدر عرض هذا الوسام في هذه الأيام التي كشفت عن مخازي المضاربين الرأسماليين الذين أوقعوا العالم في هذه المحنة الاقتصادية التي نحن فيها. ولكن هذا الوسام كان في الواقع من تصميم فنان ألماني صنعه سنة 1720 حين اجتاحت موجة مشابهة من الكساد أسواق العالم، ليذكرنا بأنه لا جديد في عالم الرأسمالية.

بدلا من عبارة «من أجل الإيمان بالله» التي اعتاد الخطاطون على نقشها في أوسمة المجد والشجاعة، صمم غريسن باري وساما مختلفا يندد بالنظام الرأسمالي ويستبدل تلك العبارة الخالدة بعبارة: «من أجل الإيمان بالتسوق». وجدت وساما آخر مستوحى من الأوسمة الدينية المشرفة. يلعب هذا الوسام على نفس النغمة، حب التسوق والتبضع والتسكع في المخازن والمولات. وهو وسام «سيدتنا بوند ستريت». وهو إشارة إلى لوحات وتماثيل السيدة العذراء. وبوند ستريت لمن لا يعرف بوند ستريت ولا قدرة له عليه، هو شارع المخازن الأرستقراطية الغالية في لندن.

لفت نظري وسام واحد للعار من صنع فنانة عربية فلسطينية مقيمة في لندن، منى حنون. العار عندها هو ما فعلته أمريكا بالعالم. وتأتي الميدالية بشكل كرة أرضية عليها خريطة العالم ولكنها لغم على وشك الانفجار. كتبت الفنانة المبدعة تحتها : «صنعت في أمريكا».

وهو ما يذكرنا بنصيبنا من الخزي والعار. أما آن الوقت لمصمم عربي يصنع لنا وسام عار للمسؤول عن تزويد الجيش المصري بالأسلحة الفاسدة في الأربعينات؟ وماذا عن كل هؤلاء الذين جمعوا ثرواتهم وبنوا وجاهتهم مما اختلسوه من أموال الدولة وقوت الشعب. أما من مصمم يعمل لنا ميدالية باسم «الحرامي المجيد» وبعبارة «من دم الشعب عصرت شرابي».