الراديكاليون يخسرون

TT

بعد قضاء أسبوع من التجوال على الخط الأمامي «للحرب على الإرهاب» ـ انطلاقا من حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس رونالد ريغان» الموجودة قبالة السواحل الإيرانية وصولا إلى شمال العراق ثم إلى أفغانستان وأخيرا إلى شمال غرب باكستان ـ يمكنني أن أقول بارتياح: إن الأشرار يخسرون.

نعم، إن أحجار الدومينو التي تتهاوى في العالم الإسلامي اليوم هم الحكومات والمجموعات الإسلامية المتطرفة الذين فشلوا في إقناع شعوبهم، إما بحججهم أو بأدائهم في السلطة، بأنهم النسخة الصحيحة من «الإسلام هو الحل». ورغم فشل حججهم فإن الراديكاليين لا يزالون موجودين على الساحة والفضل في ذلك لفوهات البنادق وبراميل النفط ما قد يمكّنهم من الاستمرار لفترة أطول.

بيد أنه في الوقت الذي مُني فيه الراديكاليون بفشل مرير فإن حلفاءنا ـ المؤيدين للولايات المتحدة والحداثيين المسلمين والمعتدلين العرب ـ لم يتمكنوا من ملء الفراغ بالإصلاح والحكومات الجيدة، فهم يفوزون بالتزكية. والكثير من ذلك سيأتي لاحقا.

وبات من الواضح الآن أن الإسلاميين في مكان استطاعوا فيه الفوز أو الاستحواذ على السلطة ـ في إيران وباكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وغزة ـ أساؤوا تقدير الأمور فأدخلوا مجتمعاتهم في حروب لا طائل منها أو اشتركوا في عنف هدام لم يفرز اليوم سوى انتقادات واسعة من السواد الأعظم من المسلمين.

لاحظوا أنه في أواخر السبعينيات قام رئيسا دولتين إسلاميتين برحلتين تاريخيتين: أنور السادات من مصر إلى إسرائيل وآية الله الخميني من باريس إلى طهران. وكانت السياسات في الشرق الأوسط خلال الثلاثين عاما الماضية عبارة عن صراع بين وجهات نظر متنافسة. أوضح السادات أن المستقبل يجب أن يدفن الماضي وأن على العرب والمسلمين أن يبنوا مستقبلهم بناء على سلام مع إسرائيل والتكامل مع الغرب واعتناق الحداثة، فيما قال الخميني إن الماضي يجب أن يغلف المستقبل وإن الإيرانيين والمسلمين يجب أن يبنوا مستقبلهم على العداء لإسرائيل والعزلة عن الغرب وترك الحداثة للعودة إلى الإسلام المتشدد.

مال النزاع بين الاتجاهين في عام 2009 إلى الساداتيين، حيث اضطر رجال الدين الذين يحكمون إيران إلى سرقة الانتخابات للبقاء في السلطة وقمعوا ملايين المعارضين الإيرانيين بالقوة ـ وتشير إحصاءات لجنة حماية الصحافيين أن إيران فاقت الصين في حبس الصحافيين بسجنها 41 صحافيا ـ هي الدليل الأوضح على ذلك. تدمير طالبان للمدارس العلمانية التي تنافس مساجدها وبيعها الهيروين لجمع الأموال ليست أيضا مؤشرات على انتصار فكري. في ذات اليوم الذي تحدث فيه الرئيس أوباما إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة، بث أسامة بن لادن بيانا مطولا على المواقع الإلكترونية الإسلامية والجزيرة. وكما يقول خبير شؤون الشرق الأوسط المصري مأمون فندي: «أوباما فاز وأسامة لم يعد له مكان». وإذا ما سألت أي شخص عن محتوى كلمة أوباما فسيذكرها لكن إذا ما سألتهم عما قاله أسامة سيقول غالبيتهم: «هل ألقى بيانا؟». وفي الانتخابات العراقية في يناير (كانون الثاني) الماضي هزمت الأحزاب القومية والمعتدلة الأحزاب الطائفية والدينية الراديكالية بينما فاز التحالف الموالي للغرب على الأحزاب التي يقودها حزب الله. وهنا في باكستان تتزايد الانتقادات الموجهة إلى طالبان من أبناء الطبقة الوسطى الناشئة، والتي بدأت في مارس (آذار) عندما انتشر فيديو الفتاة التي طُرحت أرضا وجُلدت من قِبل قادة طالبان في إقليم وادي سوات في أنحاء باكستان. وفي مايو (أيار) بدأ الجيش الباكستاني حملة عسكرية ضد مقاتلي طالبان الذين سيطروا على مدن رئيسة في الإقليم الحدودي الشمالي الغربي وبدأوا في التحرك باتجاه العاصمة إسلام آباد.

وقد رافقت الجنرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان المشتركة خلال زيارته معسكرا كبيرا للاجئين في بقعة شديدة الحرارة وتغطيه الأتربة في جالوزي يقطنه 116.000 لاجئ فروا من الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، حيث يقوم الجيش بتدمير طالبان في عملية لقيت ترحيبا من المواطنين.

وقال لي عبد الجليل، الذي يبلغ من العمر 41 عاما، خلال وقت الاستراحة بعد حصة اللغة الأردية لمجموعة من الأولاد في خيمة شديدة الحرارة: «الناس جميعهم هنا ضدهم، لكن طالبان لا تكترث لذلك. إنهم قساة جدا، فهم يقطعون الرؤوس».

إذا ما كان لدى الإسلاميين الراديكاليين أي طاقة اليوم فلن تكون نابعة من قوة أفكارهم أو الأمثلة على إقامتهم لحكم جيد بل عبر إذكاء النزاعات الطائفية، ففي أفغانستان تستغل طالبان مآسي البشتون وفي العراق يستمد المتطرفون ألسنة طاقتهم من قتل الشيعة. بيد أن الطريقة الوحيدة لتجفيف دعمهم تقبع في يد أنصار الحداثة من المسلمين والعرب لتطبيق أفكار جيدة من خلال تشكيل حكومات أقل فسادا وأكثر قبولا من شعوبهم، وبناء مدارس أفضل وتوفير المزيد من الفرص الاقتصادية ورؤية صادقة للإسلام تعتنق الحداثة. ولعل ذلك هو السبب وراء فشل حلفائنا في مصر وفلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان. وحتى يتحقق ذلك سيظل الراديكاليون الإسلاميون مفلسين لكنهم لن يبتعدوا كلية عن الساحة.

*خدمة «نيويورك تايمز»