جهود الطبيب الشهير ترسم البسمة على شفاه المحرومات من الرعاية

TT

هي امرأة أمية من سكان المناطق القبلية الباكستانية كانت على وشك مفارقة الحياة أثناء عملية الولادة بعد زواجها في سن الثانية عشرة. عانت من جراح مرعبة خلال عملية الولادة تركتها غير قادرة على التحكم في إخراج البول أو الغائط، مما جعلها كريهة الرائحة. وعلى مدار الأعوام الثلاثة عشر التالية ظلت حبيسة بيتها غير قادرة على الخروج منه خجلا من الصورة التي تنزل بها فضلاتها.

أما هو فطبيب باكستاني بارز في أمراض النساء، تعلم في أيرلندا، وبعد أن أمضي ثماني سنوات من الدرس هناك عاد بأحلام كبيرة لإنشاء مستشفى للخصوبة لعلاج الأثرياء وشراء سيارة مرسيدس، لكن هاله مشهد النساء اللائي يمتن دون جريرة في عمليات الولادة، مما جعله يقرر تحويل مسار عمله إلى مساعدة النساء الفقيرات والمعوزات أمثال تلك المرأة.

كان اللقاء في أحد المستشفيات التي أسسها الطبيب «شيرشاه سيد»، وكان يساعد المرأة الشابة «أشرافي أكبر»، التي تقرر إجراء عملية أخيرة لها في المستشفى أخيرا.

ربما يكون الغرب قد استشاط غضبا من القهر الذي تمارسه طالبان ضد النساء في أجزاء من باكستان، لكن الجانب الأكبر من المعاناة التي تكابدها النساء هنا لا يتمثل في وجود معاناة سياسية أو دينية، لكنه في عدم الاكتراث بالرعاية الصحية للأمهات.

تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وفاة امرأة كل 35 دقيقة في باكستان نتيجة لمشاكل الحمل والولادة. والسبب في ذلك أن صحة النساء لا تشكل أولوية على مستوى العالم سواء بالنسبة للدول الفقيرة أو المانحين الأجانب مثل الولايات المتحدة، الاستثناء الوحيد في ذلك هو بريطانيا والنرويج، وأتمنى أن تساندهما إدارة أوباما.

في هذا الجزء من باكستان، إقليم السند، يشيع مثل بين السكان يقول: «إذا ماتت بقرتك فتلك كارثة، أما إن ماتت زوجتك فلا مشكلة، يمكنك الحصول على زوجة أخرى»!.

ويقول الدكتور شيرشاه متحدثا عن النهوض بصحة النساء في باكستان: «الأمر أيسر من القنبلة الذرية، نحن نمتلك قنبلة ذرية لكننا لم نقم بأي جهد للنهوض بصحة المرأة، فالحكومة غير مهتمة، وعندما تقرر الحكومة أنها لم تعد بحاجة إلى وفيات للأمهات فلن تموت أمهات بعد ذلك».

وتعد قضية أشرافي المثال الأبرز على ذلك، فقد حاولت الولادة في منزلها بمساعدة قابلة غير محترفة، لكن حوضها لم يكن كبيرا بما يكفي ليسع رأس الطفل، لذا لم تسفر أربعة أيام من الولادة المتعسرة عن شيء.

أخيرا أخذت العائلة أشرافي إلى أحد المستوصفات للولادة، لكن الطفل وُلد ميتا، لكن بعد أن أفاقت وجدت نفسها غير قادرة على التحكم في بولها أو غائطها، بدت كريهة الرائحة، وتركت الأملاح الناتجة عن بولها آثارها على فخذيها.

سمعت أشرافي أن الأطباء في كراتشي ربما يتمكنون من علاجها، وسألت عما إذا كان بمقدور أحد من الأطباء مساعدتها، وبدلا من وقوفه إلى جوارها قام زوج أشرافي بتطليقها نظرا لشعوره بالحرج والخزي، وسقطت أشرافي في كآبة عميقة لتحبس نفسها في منزل والديها وترفض رؤية أحد.

أمضت أشرافي ثلاثة عشر عاما لم تغادر منزل والديها ولو لمرة واحدة، وسألتها وابن عم لها عبر الهاتف كيف كانت تقضي أيامها، فكانت الإجابة: «الحياكة والعناية بأمها المريضة والبكاء».

أخيرا نجحت في إقناع إخوتها لأخذها إلى كراتشي، حيث فحصها الدكتور شيرشاه، الذي يبلغ من العمر 56 عاما، والذي يعد أكثر أطباء أمراض النساء شهرة في البلاد، ورئيس جمعية أطباء النساء والتوليد وأمراض النساء، والذي تعرض للإقالة من منصبه ثلاث مرات لتصريحاته التي طالب فيها بإنفاق الأموال على التعليم والصحة بدلا من الطاقة الذرية أو طائرات «إف 16».

وبدعم من الحكومة قبل تسعة أعوام بدأ شيرشاه في إقامة جناح على مستوى عال من التخصص للأمومة في المستشفى العام في أورانغي الحي الفقير في كراتشي الذي يعد أكبر الأحياء في العالم. ويستقبل المستشفى 6500 حالة سنويا ـ قد يبدو الرقم مدهشا لكنه صحيح ـ ويقبل النساء من مناطق تقع على بعد مئات الأميال، ومنذ عدة سنوات جاءت سيدة شبه ميتة على جمل من إقليم بلوشستان.

إضافة إلى ذلك ناشد الدكتور شيرشاه أصدقاءه لبناء مستشفى جديد لأمراض النساء على أراضي مدرسة دينية على أطراف كراتشي. وقد نجح حتى الآن في إقامة جناح لعلاج الأمراض النساء مجانا وتدريب القابلات. وأنشأ أصدقاؤه في الولايات المتحدة جمعية خيرية خصم تبرعاتها من الضرائب تحت اسم «ناشيونال هلث فروم».

وإلى جانب عمله المعتاد، يقوم الدكتور شيرشاه بإجراء عمليات الناصور في أيام الآحاد، حيث التقى أشرافي هناك، وقد تبين أن حالتها بحاجة إلى سلسلة من العمليات نتيجة لمرور فترة طويلة على إصابتها بتلك الحالة. لكن وبعد ستة أشهر من العمليات الجراحية ستشفى وستتمكن من العودة إلى منزلها نهاية هذا الشهر.

وتقول الممرضات إنها أصبحت مختلفة الآن عما كانت عليه من الخجل والكآبة لحظة وصولها، فهي تبتسم الآن، وتضحك في بعض الأحيان، وتقضي أوقاتها في فناء المستشفى تستمتع بحمام شمس كانت محرومة منه ثلاثة عشر عاما.

*خدمة «نيويورك تايمز»