بين «فتح» و«حماس» ضاعت فلسطين

TT

وضع الشعب الفلسطيني، إن كان في غزة، أو في الضفة، أو داخل إسرائيل قاتم. القيادات الفلسطينية في غزة (حماس) وفي الضفة (السلطة الفلسطينية) فقدت مصداقيتها. الانفصال بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي صار واقعاً قائماً، والعلاقات بين عرب فلسطين والإسرائيليين تدهورت، وتضرر العرب كثيراً، تأثرت أعمالهم ومصادر رزقهم. عرب إسرائيل مع مصلحة الشعب الفلسطيني، ليسوا مع «حماس» ولا مع «فتح»، لكن العمليات الانتحارية التي قام بها فلسطينيون من غزة ضد مطاعم عربية يرتادها إسرائيليون قضت على الحياة المشتركة التي كانت قائمة هناك. القرى العربية داخل إسرائيل تعاني ويعتقد معظم الإسرائيليين اليوم بأن عرب إسرائيل عملاء يريدون إبعادهم. وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يقول لعرب إسرائيل: «ابقوا حيثما انتم، أنا سأعيد رسم الحدود، وتصبحون تابعين للدولة الفلسطينية». وهذا ما يرفضه عرب الداخل.

اسأل الصحافي الفلسطيني خالد أبو طعمة، من عرب إسرائيل ويدير مكاتب شبكة التلفزيون الأميركية «إن. بي. سي» منذ عام 1988، ويكتب في «الجيروزاليم بوست» ويراسل صحيفة «يو. إس نيوز آند وورلد ريبوتر»، عما يريده الفلسطينيون من إسرائيل وما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من الفلسطينيين؟ نتفق قبل أن يجيب، بأنه سيكون صريحاً جداً، وربما جارحاً في صراحته، ويقول: «عندما نتكلم عن الشعب الفلسطيني اليوم فإننا نتحدث عن كيانين منفصلين: دولة غزة، ودولة الضفة، والدولتان في حرب ضد بعضهما البعض».

يضيف: «هذا الصراع إذا لم ينته، سيدمر كل القضية الفلسطينية. لنفترض أن نتانياهو اعترف بحل الدولتين وقال غداً: قررت أن أعطي دولة مستقلة للفلسطينيين. لمن سيعطيها؟ لـ«حماس» أم لـ«فتح» أم لـ«الجبهة الشعبية» أم لـ«الجهاد الإسلامي»؟ ثم أين ستقام الدولة، جماعة الضفة (السلطة) لا تسيطر على الضفة، نفوذ السلطة محدود، ولو أعطى نتانياهو الدولة لرئيس السلطة محمود عباس، هذا لا يجرؤ على الذهاب إلى غزة، فأين سيشكل الدولة في مركز رام الله؟». عندما انسحبت إسرائيل من غزة، هرب منها أبو مازن. ماذا لو أعطته الضفة الآن؟ يقول أبو طعمة، إن ما حدث في غزة بين «حماس» والسلطة لم يكن انقلاباً كما يحب أن يصوره البعض، لقد ثار كل الشعب ضد أفراد السلطة فهربوا. هذا يمكن أن يتكرر في الضفة. إذا جرت انتخابات في الضفة ستفوز «حماس»، الناس تقول إن «حماس» لم تفشل فهي لم تعط الفرصة. يضيف: «لولا رفض الناس لـ«فتح» ما كانت «حماس» قد فازت، وهذه بدل أن تحكم، استمرت بالعمليات ضد إسرائيل، فخطفت الجندي وأعطت لإسرائيل عذراً. أكثر من ألفي فلسطيني قتل ودُمرت غزة بسبب الجندي. لا يمكن لـ«حماس» أن تكون في وقت واحد حكومة ومقاومة، وبدل أن تبذل جهداً وتطور غزة ركزت على الصواريخ».

من جهة ثانية، كيف يصوت الناس لـ«فتح». إنهم الوجوه نفسها انتقلت من غزة إلى الضفة وكأنها لم تخسر الانتخابات ولم تُطرد. يروي أبو طعمة: «لولا إسرائيل ما كانوا وصلوا إلى الضفة. أرسلت إليهم جنوداً ودبابات وسفناً وطائرات هليكوبتر، تدخلت أميركا فأنقذتهم إسرائيل من البحر».

اسأله: إنما سلام فياض رئيس الوزراء يختلف عن البقية؟ يجيب: «لكنهم يحاربونه. هو يبذل أقصى جهده لإجراء إصلاحات، وهم يعتبرون أنهم الثورة والنضال، فكيف يتحكم فياض بالأموال؟ يضغطون عليه لكنه مستمر في تنظيف الحكومة. «فتح» أصبحت جزءاً من المشكلة». لكن، هناك مشكلة المستوطنات والجدار؟ يجيب أبو طعمة: لنفترض أزالت إسرائيل المستوطنات غداً، فهل ستعانق «حماس» «فتح»، ما دخل المستوطنات والجدار في الخلافات الفلسطينية. كلما سألنا المسؤولين في السلطة عن تراخيهم في إجراء إصلاحات، أو عن إبقائهم على الفاسدين يكون الجواب: إن المستوطنات.. اما عن الجدار الذي لم يكن قائماً في السابق، فقد أصرت «حماس» على القيام بالعمليات الانتحارية، هي انشغلت بالعمليات، وانكب الإسرائيليون على توسيع المستوطنات وبناء الجدار. خلقوا واقعاً جديداً، حلّ الهدوء في القدس، تسألين اليهودي عن السبب فيقول: بفضل الجدار. يرى أبو طعمة أن السلطة و«حماس» لا ينظرون إلى البعيد، ولو فعلوا لطالبوا بالسيادة على الأرض مع الإبقاء على المستوطنات بشرط معاملة السلطة للمستوطنين كما تعامل إسرائيل عرب الداخل. لكن محمود عباس يصر على عدم بقاء أي إسرائيلي في الضفة، فترد إسرائيل: ما دام الأمر كذلك فلن يبقى عربي داخل إسرائيل! ثم يوضح، إن الشعب اليهودي إذا شعر بجدية السلام، فإنه بنفسه يخرج المستوطنين. أكثر من 70% من الشعب الإسرائيلي يؤيد حل الدولتين، ليس محبة بالفلسطينيين، يريد إبعادهم إلى ما وراء الجدار. الإسرائيليون مستعدون لإعطاء الفلسطينيين الضفة والمستوطنات وجزءاً من القدس، إنما الجدار سيبقى.

يقول خالد أبو طعمة: نتانياهو لم يطلب من الناس أثناء حملته التصويت له لإعادة احتلال الضفة وغزة. والجيل الجديد في إسرائيل يرفض الاحتلال واليهودي ابن الواحدة والعشرين عندما ينهي خدمته في الجيش فإن أول ما يفكر به السفر إلى الهند أو إلى الشرق الأقصى.

أقول له: إن إسرائيل تصر على اعتراف «حماس» بها والغرب كذلك؟ يجيب: «إنها مهزلة الاعتراف المتبادل. وهل أن عدم اعتراف «حماس» بإسرائيل سيزيلها من الوجود. إذا كانت الحكومة الإسرائيلية جادة في طلب السلام لقالت لـ«حماس»: لا أنت تعترفين بي، ولا أنا اعترف بك. نتبادل نوعاً من الترتيبات الأمنية والهدنة وبعض الاتفاقيات. ما معنى هاتين الكلمتين: الاعتراف المتبادل».

ويتذكر عندما اعترف ياسر عرفات بإسرائيل، كان ذلك لما أغلقت الدول العربية أبوابها بوجهه، بعد وقوفه مع العراق في غزوه للكويت، جاءه الأميركيون والإسرائيليون عرضوا عليه الملايين من الدولارات مقابل التوقيع على اتفاقية أوسلو وإلغاء ميثاق المنظمة. لم يتردد على قول كل ذلك باللغة الانكليزية. كان يريد الأموال والبقاء قائداً فلسطينياً، ماذا يفعل بدولة فقيرة من دول العالم الثالث؟ كان يفضل أن يموت كرمز للقضية الفلسطينية. وفعلاً مات قائداً ثورياً وليس رئيس دولة.

وأقول له: لكن الغرب لا يريد الحديث مع «حماس» إذا لم تعترف بإسرائيل، فكيف يريد حلاً على أساس الدولتين؟

يتساءل أبو طعمة: ومن الذي جاء بـ«حماس» إلى الحكم؟ ذهبت «فتح» إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس قبل الانتخابات وطلبت منها منع «حماس» من المشاركة في الانتخابات. ردت: «حماس» لن تفوز. نحن حذرناها إذا فازت فإننا سنقاطعها»؟ من الأخطاء الأميركية إلى الأخطاء الأوروبية، يخبرني أن الأوروبيين قرروا الآن بناء سبعة سجون في الضفة! بدل بناء مستشفيات. لماذا؟ اسأل ألا يرغبون في مصالحة السلطة و«حماس»؟ كأنهم يدفعون السلطة لاعتقال المزيد من أعضاء «حماس». يقول أبو طعمة: «الاعتقالات في الضفة كثيرة. قصص السجون الفلسطينية مخجلة. أكثر من ألف فلسطيني في سجون الضفة منذ أكثر من عامين من دون محاكمة. لا محامون ولا منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. إذا ذهب احدهم ليسأل عن سجين يصبح إلى جانبه. يضيف: «اخبرني احدهم عما حصل مع احد أقربائه في سجن «الخليل» على يد استخبارات «الخليل»، يرسمون على الجدار مغسلة ويطلبون من السجين أن يتوضأ وإذا رفض يتعرض للضرب، أو يرسمون سلماً على الجدار ويطلبون منه الصعود عليه!

التشاؤم يغلب على تفكير أبو طعمة، يستغرب زيارات جورج ميتشل، إذ على أميركا أن تطلب من «فتح» و«حماس» التوقف عن قتال بعضهم البعض أولاً، وإذا كان هناك في «حماس» من يريد أن يتحاور معها، فلتقبل. «لقد دفعت «حماس» ثمناً غالياً في غزة. دفعت ثمن خسارة إسرائيل في حرب لبنان. الشعب في غزة لم يعد يتحمل أي عملية، «كما أن إسرائيل تنوي هذه المرة حرق كل لبنان».

يرى أن السلام بين إسرائيل وسوريا ممكن بانسحاب إسرائيل من معظم الجولان، والتوصل إلى اتفاقيات أمنية فيه. ويشير إلى أن إسرائيل لن تعود إلى حدود 1976، «هناك توافق بين اليمين واليسار، مستعدون للانسحاب من 90% من الضفة». وعن التوطين يقول: لا حل آخر. إلى أين سيعود الفلسطينيون من الدول العربية. أغلبية أهالي غزة من اللاجئين، والضفة من مدن وقرى ومستوطنات وقواعد عسكرية، لا تتسع. لا يتوقع أي تطور، فالوقت لصالح إسرائيل وليس لصالح الفلسطينيين: «نحن نقاتل بعضنا بعضاً، والبولدوزرات شغالة. الجدار قائم والمستوطنات باقية، القدس انتهت، صارت الأغلبية في القدس الشرقية من اليهود. وعندما تصحا «حماس» و«فتح»، إذا بقي شيء من الأرض. فقد يجلسون على طاولة المفاوضات مع إسرائيل».

صورة قاتمة تؤكد على مستقبل أسود. في وقت تقول التقارير إن «فتح» قررت أن تنفتح على «إيران»!