يا مزكي حالك يبكي

TT

كذا يقول المصريون. عصروا فيها خبرة عشرة آلاف سنة من المغالطات والتضليل. بيد أنني أود أن أسوق المثل هنا بحق وسائل الإعلام الغربية، لا بحق الوطنيين والقوميين والإسلاميين عندنا كما قد يخطر للقارئ. دأب الصحافيون والمراقبون الغربيون، وأنا معهم، على التنديد بالصحافة العربية من حيث انعدام الموضوعية والتوازن فيها. ولكن هاكم هذا المثال من موضوعية الصحافة الغربية وعدالتها وتوازنها.

ضجت وسائل الإعلام البريطانية، صحفها وتلفزيوناتها وإذاعاتها، بحكاية الصبي العراقي الذي أصيب بجراح خطيرة وفقد أطرافه نتيجة نيران القصف البريطاني على منطقته. جاءوا به إلى بريطانيا لمعالجته وإعادة تأهيله للحياة. ضجوا بأقلامهم وألسنتهم يتباهون بالكرم البريطاني وروح الإنسانية العالية التي يعتز بها الإنجليز. ما زلنا نسمع حكايته من حين لآخر. ولا أشك في أنهم سيعودون لهذا الضجيج عندما يسمعون بأنه قد تزوج بحسنية بنت جيرانه، فتظهر بعض صحف التابلويد البريطانية تفاصيل تخدش حياء القارئ العربي.

ولكن أثناء كل ذلك الضجيج عن معالجته، كانت هذه الدولة الفقيرة والصغيرة، كوبا، قد تسلمت من روسيا، لا طفلا واحدا وإنما عشرين ألف طفل وطفلة تعرضوا للإشعاع النووي الذي تلا انفجار مفاعل شرنوبل، أصيبوا بعاهات وعلل وخيمة يمتد أكثرها مدى حياتهم.

تبرعت حكومة كوبا بتولي المسؤولية الكاملة عن معالجتهم ورعايتهم مدى الحياة. لم تكن كوبا بأي شكل من الأشكال مسؤولة عن إصاباتهم كما كانت وزارة الدفاع البريطانية مسؤولة عن إصابة ذلك الصبي. ومع ذلك فقد فتحت هذه الدولة الصغيرة والفقيرة أبواب مستشفياتها ومؤسساتها الخيرية لهؤلاء العشرين ألف طفل معتل. وعلل الإشعاع النووي عسيرة العلاج وخطيرة الانتقال بالإشعاع إلى الآخرين، ولكن كوبا لم تتردد في تحمل هذه المسؤولية الإنسانية وكل مخاطرها.

ولكن من سمع عن كل ذلك؟ مضت على حادثة شرنوبل 23 سنة ولم نعرف شيئا عما قامت به كوبا من معروف حتى وفق الصحافي البريطاني في الشهر الماضي أثناء زيارة عفوية لذلك البلد، واطلع على الحكاية وقابل بعض أولئك الأولاد فكتب عنهم في «الغارديان».

بالطبع، نشرت مقالته بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال الخطر الشيوعي. فالغربيون لم يفرضوا حصارا اقتصاديا فقط على كوبا. حاصروا أيضا أي معلومات ليست في صالحهم. آه! ثم آه! كم من المعلومات قد حجبوا عنا حرصا على مصالحهم!

ويطالبوننا بالموضوعية والشفافية!