العقد الأول

TT

تمر السنون بأسرع مما نظن بها. الآن دور العقود. قبل عشر سنوات كنت في الرباط مع وزير الإعلام محمد العربي المساري. سألني ماذا أريد، قلت لقاء مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الرحمن اليوسفي، ومقابلة مع العاهل الجديد محمد السادس. في اليوم التالي وصل الدكتور اليوسفي، بكل وداعته، قائلا، تعال إلى مراكش. ثم اتصل مستشار الملك الإعلامي، وقال محمد السادس لا يعطي مقابلات، لكنه سيلتقي في تموز رئيس تحرير «الباري ماتش» ورئيس تحرير «النيويورك تايمس». تعال في تموز.

كنا في حزيران، ولم أعد في تموز، لأن هدفي كان مقابلة للنشر. وبعد عشر سنوات لم يعط محمد السادس مقابلة صحافية إلا لممثلي الدول الاستراتيجية: إسبانيا المجاورة وفرنسا ومصر. ولم يترك المغرب ليتجول في العالم، فكل جولاته في الداخل. ولم يطرح نفسه كصاحب دور عربي كثير التحرك، كثير التحديات، مثل الحسن الثاني. بل يبارك من بعيد ولا يقرب القضايا والنزاعات. إلا أنه نقل الوضع الاقتصادي في المغرب من حال إلى حال. وآخر ما حدث هنا أن «ميناء الجزيرة» في إسبانيا، أغلق أحواضه بسبب المنافسة من ميناء طنجة، الذي سيصبح أحد أكبر موانئ المنطقة. وليس العكس.

في ظل محمد السادس اتخذت الصحافة لنفسها حرية تكاد تكون غريبة أحيانا. وهي غالبا أمام القضاء. وارتفعت حرية الأحزاب والسياسيين، لكن في المقابل لم يتنازل الملك عن شيء من السلطة، فيما تصبح الأحزاب المقربة منه ومن فكره هي البديل عن «الاستقلال» والاشتراكيين، وخصوصا المتطرفين، في اليمين وفي اليسار.

لعل العرش اليوم أقوى مما كان أيام الحسن الثاني، لكن لا أثر للشدة والحدة والسجون والخصومات الشخصية. ولا رجل شرطة في وزارة الإعلام. ولا يزال الوزراء «السياديون» وزراءه هو، وليسوا وزراء «الوزير الأول». إنها الداخلية والخارجية والدفاع والاقتصاد. لكن أحدا منهم لا يسافر في مهمة خارجية كما كان يفعل وزراء الحسن الثاني ومستشاروه. لم يبق خلال السنوات العشر الماضية شيء من العقود الصاخبة التي عاشها المغرب في زمن الحرب الباردة والصراع العربي ـ الإسرائيلي والصراع الناصري مع الدول المحافظة في شمال أفريقيا، المغرب وليبيا وتونس.

وبعد عقد لا تزال المسيرة الاقتصادية في بدايتها. أو تكاد. لكن لا مقارنة بين أرقام النمو والعمل والبحبوحة وبين أرقام الماضي. والاستثمارات العربية ليست في حد ذاتها مقياسا ولا التوسع العمراني، لكنهما دليلان ظاهران على ما حدث من تغيير في مداخل ومخارج المدن الرئيسية التي كان الفقر علامتها الوحيدة.