والشرطي أسود.. أبيض

TT

هل يكفي احتساء البيرة وتبادل العتاب في لقاء مصالحة مع الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، لينهي البروفسور في جامعة هارفارد هنري غيتس والرقيب في الشرطة جيمس كراولي، قضية أشعلت الرأي العام والإعلام الأميركي خلال العشرة أيام الماضية؟!

الشرطي الأبيض اعتقل الجامعي الأسود الذي كان يحاول الدخول إلى بيته عنوة بعد أن نسي مفاتيحه فثارت ثائرة البروفسور متهما الشرطي باعتقاله على خلفية لونه. اكتملت القصة بأن انتقد الرئيس الأميركي (الأسود للمرة الأولى في تاريخ أميركا) تصرف رجل الشرطة الأبيض وربطه بممارسات تطال الأميركيين من أصل أفريقي. ملابسات جعلت حادثة البروفسور والشرطي تندرج في السياق التاريخي للأزمة العرقية في الولايات المتحدة التي كانت الشرطة أحد أبرز وجوهها.

واليوم أيضا، تظهر أرقام الاتحاد الأميركي للحريات المدنية على مستوى الولايات الأميركية بأكملها أن احتمال تعرض الأميركيين الأفارقة وذوي الأصول اللاتينية للتوقيف هو أعلى بكثير من البيض ولا ينسى هؤلاء حادثة ضرب رودني كينغ بشراسة على يد الشرطة وشاهدها العالم بأسره قبل سنوات.

لكن بالعودة إلى قضية البروفسور والشرطي فإن مراجعة خلفية الرجلين وسيرهما لا تفضي منطقيا إلى المواجهة التي حدثت بينهما ولا إلى الفقاعة الإعلامية الهائلة التي سببتها، لكنها مفارقة أخرى يظهر فيها كيف أن الخوف لا يزال يحكم الكثير من المواقف وردود الفعل الأولى من الأميركيين البيض والسود على حد سواء. هؤلاء غالبا ما يرتبكون حيال الماضي العنصري للبلاد فتكون ردة الفعل الأولى حيال موقف مفاجئ هي الهجوم الدفاعي. الحادثة وردود أوباما كانت فرصة ثمينة اغتنمها الجمهوريون، سياسيين واعلاماً وكتاباً، ليس للنيل من الرئيس الديمقراطي الأسود فحسب بل للحديث عن عنصرية مضادة يجابه بها الأميركيون البيض من قبل مواطنيهم السود. وجد الجمهوريون في وصول رئيس من أصل أفريقي إلى البيت الأبيض ذريعة كافية ليس فقط لدحض تهم العنصرية بل للتصعيد في الخطاب العنصري والرد عليه بالقول إن هناك إجحافا وعنصرية تمارس من قبل السود ضد البيض الذين تجاوزوا ماضي الفصل العرقي بانتخابهم لأوباما.

وإن كان الإعلام الأميركي يحاذر عادة من مقاربة مسألة العنصرية على نحو واضح وصريح تكفي جولة سريعة على مواقع إلكترونية أميركية للمس بعض المشاعر التي تعتمل لدى شرائح ليست بمحدودة في النسيج الأميركي المعقد.

لعل موقع مجلة «the root» المعنية بالشؤون السياسية والثقافية للأميركيين من أصل أفريقي التي يرأس تحريرها غيتس نفسه المثل الأبرز على الانفعالات الحقيقية التي أثارتها الحادثة. فعلى الموقع وردت تعليقات ومواقف عنيفة وعنصرية وهجومية من مشاركين أميركيين لم يتورع أحدهم عن الادعاء بفخر أنه قاتل الداعية المدني الأسود «مارتن لوثر كينغ».

يقول «إيريك هولدر» بعد تعيينه وزيرا للعدل في عهد أوباما إن الأميركيين هم «أمة من الجبناء» لرفضهم بحسبه الدخول في نقاش مفتوح حول العنصرية في أميركا..

يتمسك معلقون جمهوريون بهذا القول ليس للمحاسبة الذاتية بقدر ما هي للنيل من الخصم الديمقراطي، وربما قبل ذلك «الأسود».

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام