اقتراح لتحقيق السلام الفلسطيني الفلسطيني

TT

ربما يكون عدد كبير منا قد اكتشف الآن أن السلام العربي الإسرائيلي من المحتم أن يسبقه سلام آخر ربما يكون الأكثر أهمية هو السلام الفلسطيني ـ الفلسطيني. فبغير حكومة فلسطينية واحدة تلتزم بمفردات السياسة، كما تعرفها الدولة المعاصرة، من المستحيل الوصول إلى سلام مع إسرائيل. نستطيع أن نفكر فيه، أن نقترحه، أن نحوم حوله، أن نتكلم عنه، غير أن كل الأطراف المعنية بما فيها أوروبا وأمريكا ستكون بعيدة تماما عن تحقيقه، إذ إن التمرد على سلطة الرئاسة في غزة كان بمثابة صخرة كبيرة سقطت من جبل الأطماع البشرية على الطريق الوحيد الصاعد إلى السلام فسدّته وعطلت حركة المرور عليه، مما جعل الوصول إلى السلام أمرا مستحيلا. ولقد خاضت الحكومة المصرية معركة دبلوماسية طويلة وصبورة مع الأطراف المتصارعة بهدف الوصول بهم إلى محطة واحدة يركبون منها قطار التاريخ، حماية لأنفسهم وقضيتهم وشعبهم، غير أنها ـ حتى الآن ـ لم تنجح في ذلك لسبب بسيط، هو أنه من المستحيل دفع أشخاص إلى النجاح في قضية سبق لهم أن اتخذوا فيها قرارا نهائيا بالفشل. أما حكاية أن تتصدى أطراف أخرى للمهمة ذاتها، فهي تذكرنا بحقيقة أن ما تفشل فيه السيدة غزيرة الشعر، تعجز حتما الصلعاء عن تحقيقه «اللي خدته أم الشعور تبقى تاخده القرعاء». أخلص من ذلك إلى أن الوصول إلى حكومة موحدة بين فتح وحماس عن طريق الدبلوماسية التقليدية ليس أكثر من خرافة سياسية. لم يحدث في التاريخ من قبل أن استولت جماعة ثورية على الحكم في قطعة من بلادها ثم أعادتها بالحوار. ما يحكم العقل والتفكير في هذه الحالة عند الطرفين هو المعادلة الصفرية «كل شيء أو لا شيء»، وما ينشأ عنها من خوف يحتم التفكير في القضاء على الآخر، وسيكون الشعب الفلسطيني ـ وكان بالفعل ـ هو الضحية الوحيدة لهذا الصراع.

على قادة حماس أن يعرفوا أن الزمن لا يسير في صالحهم، بعد أن عجزوا عن خلق واقع سياسي جديد في غزة قابل للاستمرار والازدهار. وإنه باستثناء جماعة الإخوان المصرية، لا أحد يقف أو يتعاطف معهم من سكان الأرض. لذلك فإن بقاءهم في السلطة في غزة يجعل من الوصول لأي حل للقضية أمرا مستحيلا مع ما في ذلك من أخطار محتملة. وبذلك يكون الحل الوحيد لهم ولشعبهم وللأمة العربية هو أن يتنحوا عن الحكم، وأن تتعهد حكومة أي دولة عربية باستضافتهم وتوفير حياة آمنة وكريمة لهم ولأسرهم، والتعهد بحمايتهم من أي مكروه. لا أعتقد أنهم أكثر من عشرين زعيما، وعشرين أسرة في غزة. بالطبع هناك عشرات التفاصيل التي يمكن الوصول إلى اتفاق بشأنها، ومنها أن تنشئ الجامعة العربية مكتبا في غزة ورام الله لحقوق الإنسان لحماية أي مواطن من الأعمال الثأرية والانتقامية. لقد جاء الوقت الذي يجب أن يكف فيه الفلسطينيون عن تدمير بعضهم البعض. كما على الحماسيين أن يتوقفوا عن خداع أنفسهم، فالجماعة الأم في مصر لا تعمل من أجل الفلسطينيين بل من أجل الوصول لحكم المصريين، وهم أصلا يرفضون السلام، لأن علاقات سلام طبيعية مع إسرائيل بما تحققه من استقرار تبدد إلى الأبد أحلامهم في الوصول إلى السلطة في مصر. كما أن الدول الغربية التي تعهدت بدفع المليارات للشعب الفلسطيني هي الأخرى عاجزة عن الوفاء بتعهداتها في غياب حكومة سياسية موحدة. أما الجناح المحافظ في إيران، المحافظ عليهم وعلى جماعات غيرهم، فلم يعد قادرا على المزيد من الحفاظ عليهم، هو الآن مشغول بالحفاظ على كيانه في مواجهة ثورة الشارع. أما قوافل الإغاثة البحرية والبرية القادمة من أميركا وبقية بلاد الغرب فهي ليست أكثر من مناسبات تلفزيونية لمغامرين سياسيين غربت عنهم كاميرات بلادهم فجاءوا يبحثون عنها في تلك القضية الخالدة التي لا تغرب من عليها الشمس، بالإضافة بالطبع لعدد محدود من أصحاب النوايا الحسنة الذين يشعرون بالألم للحياة التي يحياها الشعب الفلسطيني، غير أن كل ذلك يظل عاجزا عن إحداث أي تغيير في واقع أهل غزة أو زعمائها.

إنني أتقدم بهذا الاقتراح إلى حكومات المنطقة العربية، وزعماء حماس، وزعماء فتح، بوصفه الاقتراح الوحيد الذي يحفظ لهم كرامتهم وكبرياءهم الإنساني، ويحميهم ويحمي أسرهم من عاديات الزمن، ويحمي أهل غزة بل ويحمي الفلسطينيين جميعا مما يمكن أن يحدث لهم في هذا الجو الممتلئ باليأس والخوف والتوتر وانعدام الثقة.

أعرف بالطبع أن قبول هذا الاقتراح يتطلب درجة عليا من الشجاعة، غير أن ذلك بالفعل هو ما يفرضه الشرف الإنساني، كما تفرضه أيضا حسابات العقل والسياسة، بعد أن اتضح للجميع أنه ليس هناك مستقبل لكل الجماعات الثورية الدينية في الشرق الأوسط، بعد أن أثبتت فشلها وعجزها عن استخدام قواميس السياسة عندما أتيحت لها فرصة الوصول إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع.