طريق طهران

TT

في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تكريس أولوية التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية على ما عداها من شؤون وشجون شرق أوسطية، لم يكن مستغربا أن تحاول إسرائيل التهرب من هذا الاستحقاق بتقديم أولوية «خطر» آخر على النزاع العربي ـ الإسرائيلي، هو خطر البرنامج النووي الإيراني عليها هي بالذات.. الأمر الذي استدعى إيفاد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى إسرائيل في مهمة «تطمين» تزامنت مع، وربما كملت، مهمة مبعوث السلام الأميركي جورج ميتشل. تأتي المناورة الإسرائيلية في وقت يتأكد فيه باطراد التجاوب العربي مع المبادرة الأميركية، بما في ذلك التجاوب السوري الذي خرج إلى العلن خلال زيارة ميتشل لدمشق. ورغم أن طريق التوصل إلى اتفاق ينهي الانقسام الفلسطيني لا يزال طويلا، فإن إعلان حماس أنها لن تقف عقبة أمام دولة فلسطينية ذات سيادة وبحقوق كاملة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، مؤشر اعتدال أولي، وإن في إطار ثوابت فلسطينية لا تخرج في نهاية المطاف عن قرارات الشرعية الدولية. من هنا يبدو سعي إسرائيل لتعليق القضية الإيرانية على شماعة القضية الفلسطينية محاولة مشبوهة لربط سلام الشرق الأوسط بشروط لا ناقة لفلسطين فيها ولا جمل. وإذا كان الهدف الآني من الطرح الإسرائيلي وضع إدارة أوباما في موقف مقايضة (زمنية على الأقل) بين القضية الإيرانية والقضية الفلسطينية، فإن هدفه للمدى البعيد يظل كسب المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع الاحتلالي في الضفة والقدس الشرقية بانتظار تبدّل العهود، وربما الوعود، في واشنطن. بين ضغوط واشنطن على إسرائيل وضغوط إسرائيل على واشنطن، عاد العالم العربي كما كان إبان عصر الحرب الباردة، عرضة لمفاعيل تصادم المصالح الإقليمية بالدولية، ما من شأنه تقليص خيارات السلام إن لم يكن إحباطها.

إلا أن المطلب الإسرائيلي المفروض على عملية السلام قبل انطلاقتها، والتجاوب الأميركي المستجد معها (كما بدا من إعلان غيتس أن المهلة الزمنية الممنوحة لإيران للتجاوب مع دعوة الحوار الأميركية أقصاها نهاية سبتمبر المقبل، بعد أن كان الرئيس أوباما قد حدد نهاية العام الحالي موعدا نهائيا لها).. هذا التجاوب يوحي بعودة واشنطن إلى إعطاء أهمية متزايدة للحالة الإيرانية في الشرق الأوسط و«لفتة» أكثر إيجابية للموقف الإسرائيلي. سواء كانت علاقة إيران بسلام الشرق الأوسط حقيقية أم مفتعلة، يبقى البعد المقلق للربط الإسرائيلي بين فلسطين وإيران إخراجه للتسوية السلمية من إطارها العربي ـ الإسرائيلي ـ الأميركي، من جهة، وإعطاء إيران، من جهة أخرى، دورا لا يتناسب حجما وثقلا مع الدور العربي. ومع التسليم بأن الرئيس الأميركي يُعتبر، إلى حد بعيد، الضمانة الأبرز لمبادرة السلام الأميركية (انطلاقا من تصميمه على تحقيقها منذ بداية ولايته، خلافا لمحاولة سلفه جورج بوش تحريك هذا الملف في أواخر ولايته الثانية) فقد بات صعبا، بعد «تطمينات» غيتس لإسرائيل، توقع تحقيق تقدم جدي على مسارات التفاوض العربية ـ الإسرائيلية قبل نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، وهي المسارات التي أكد المبعوث الأميركي جورج ميتشل أن خطة السلام الأميركية تعمل على إطلاقها بإعلانه من دمشق، الأسبوع الماضي، أنها تسعى لتحقيق «سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبين سورية وإسرائيل، وبين لبنان وإسرائيل، وبالطبع، في النهاية (كما قال) تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل وكافة دول المنطقة». كل هذه المسارات ستكون معرضة للتأجيل في حال خروج قرار السلام من يد الطرفين الرئيسين الضاغطين لتحقيقه، أي الجانب العربي والأميركي، بمجرد حدوث تطورين محتملين على ساحة الشرق الأوسط:

ـ رفض إيران اقتراح التفاوض الأميركي حول برنامجها النووي. وهذا الرفض قد يصبح مطلوبا في حال استمرار الصراع الداخلي في إيران وازدياد حاجة حكومة المحافظين إلى تسجيل «نصر قومي» يعيد إلى حكومة محمود أحمدي نجاد هيبتها.

ـ اعتبار إسرائيل أن الوضع الدولي والإقليمي بات مواتيا لتوجيه ضربة جوية للمنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي سيعيد خلط الأوراق في المنطقة ويجعل القضية الفلسطينية آخر هموم المجتمع الدولي.

.. والمؤسف أن يحدث كل ذلك في وقت أصبحت فيه الإدارة الأميركية أكثر واقعية من أي وقت مضى في مقاربتها لسلام الشرق الأوسط.