أمسك لسانك

TT

كون المرء بغيضا ليس جريمة.

بينما كنا نمعن النظر في القصص الدرامية المتنوعة المتعلقة بقضية الحقوق المدنية، بدءا من جيم كرو وحتى جيم كراولي، أعرب صديقي جون تيموني، رئيس جهاز شرطة ميامي، عن اعتقاده بأن «هناك خطا دقيقا يفصل بين السلوك الفوضوي وحرية التعبير. قد تصعب الأمور على أرض الواقع، لكنني أقول للضباط العاملين معي: لا تزيدوا الأمور سوءا بوضعكم الأصفاد في يد شخص ما. أمسكوا لسانكم وارحلوا فحسب».

باعتباري ابنة مخبر شرطي، دائما ما أتخذ صف الضباط، بيد أنني أجابه صعوبة هذه المرة. بغض النظر عن إلى أي مدى كان هنري لويس غيتس غريبا أو عدائيا ذلك المساء، لم يكن ينبغي أن تلقي الشرطة القبض عليه بمجرد تأكيد السيرجنت كراولي أن البروفسور الذي يعمل بجامعة هارفارد في منزله.

وكان الرئيس أوباما محقا في المرة الأولى التي تناول فيها الحادث عندما قال إن المواجهة انتهت على نحو أحمق، وكذلك في المرة الثانية عندما أبدى اعتقاده بأن كلا من غيتس وكراولي بالغ في رد فعله. وجاء تقديره بأن الرجلين وقعا في شَرك هذا الموقف في لحظة كانت حالتهما المزاجية فيها سيئة للغاية.

الملاحظ أن المواجهة بين الرجلين تصاعدت إلى صدام الأنا، رجل الشرطة الأبيض الكادح في مواجهة العالِم ذي البشرة السمراء الذي جاب العالم، المواطن العادي في مواجهة خريج الجامعة، أكاديمية لويل للشرطة في مواجهة الأكاديمية الأميركية للفنون والآداب. من ناحيته، أخبر كراولي محطة رياضية في بوسطن أن غيتس «بدا غريبا للغاية، بل وزاد ذلك الشعور الآن بعدما علمت مستوى تعليمه». أما غيتس فقد قال لابنته إليزابيث، حسبما ورد بصحيفة «ديلي بيست»: «كان ينبغي أن يخرج ويقول: آسف يا سيدي، أتمنى لك حظا طيبا. تروق لي الحلقات التي تقدمها مع محطة خدمة الإذاعة العامة، سأعمل على الاطمئنان عليك لاحقا». أخبرني غيتس أن كراولي كان بالغ «الفظاظة» والاستفزاز لدرجة «أصابتني بالفزع»، أما كراولي فقال إن غيتس تصرف على نحو «منفعل». لكن الواضح أنه في نهاية الأمر يبقى أن الرجل القوي المزود بسلاح أقوى من الآخر الضعيف، وكان ينبغي على ضابط الشرطة الذي يلقي دروسا حول الحساسيات العنصرية ألا يتشبث بنقطة فنية تتعلق بالجيران ـ الذين بدوا أقل عددا من ضباط الشرطة ـ بحجة أنهم «ساورهم القلق» بسبب «ثورة» انفعال غيتس. المعروف أنه منذ عهد شكسبير وصولا إلى هيتشكوك، شكلت الهوية الخطأ دوما قصة قوية. في إطار هذا الحادث شعر ضابط شرطة أبيض يملؤه الفخر حيال اشتهاره بالتوافق مع الضباط ذوي البشرة السمراء، وإلقائه دروسا على الضباط المبتدئين حول كيفية تجنب التأثر بالصور النمطية العنصرية، بالسخط لتصويره كضابط عنصري. وفي المقابل، شعر البروفسور المشهور المتخصص بقضايا الهوية بالسخط لتصويره كلص أسود يقتحم المنازل عنوة.

المؤكد أن العنصر والطبقة الاجتماعية والتستوستيرون سيشكلون دوما مزيجا قابلا للاشتعال في أي لحظة. من ناحيته، سيحاول أول رئيس لنا من أصول أفريقية تحقيق مصالحة بين غيتس (الذي ساند هيلاري كلينتون) وكراولي (الذي صوّت والده لصالح أوباما). من ناحيتي، عمدت إلى الاتصال بغيتس هاتفيا يوم الجمعة الماضي في أعقاب لقائه بالرئيس، وموافقته على أن يتجه لزيارة البيت الأبيض لتناول قدح من الجعة مع الرجل الذي وصفه بأنه «شرطي مارق»، وذلك في لقاء رمزي للمصالحة. وأخبرني غيتس، وهو يسعل بسبب برد أصابه خلال زيارته الصين، أنه يتساءل فيما بينه حول احتمال أن يكون «القدر والتاريخ اختاراني لهذا الحادث». وأبدى غيتس سعادته برسائل البريد الإلكتروني المتعاطفة التي انهالت عليه، ورأى أنها مادة تصلح لحلقة وثائقية بمحطة خدمة الإذاعة العامة حول الصور النمطية العنصرية. وقال غيتس إنه على استعداد لتقبل النصيحة من الرئيس أوباما بهذا الشأن، وأكد أنه يشعر بالدهشة من ألا يعتذر شرطي بعد إلقائه القبض على شخص ما عن طريق الخطأ. لكن كيف يمكن للاثنين التوفيق بين روايتيهما؟ يقول كراولي إنه طلب من غيتس الخروج من المنزل وأجاب البروفسور: «نعم، سأتحدث مع والدتك بالخارج». وعلق غيتس على ذلك بقوله ساخرا إن كراولي لا بد أنه سمع هذه العبارة من مسلسل «غود تايمز» عندما كان طفلا. وتساءل: «هل يبدو من المنطقي أن أتحدث عن والدة رجل أبيض ضخم يحمل مسدسا؟». وسألته كيف كان شعوره لدى علمه بأن كراولي هو الشخص الذي حاول إسعاف ريغي لويس، نجم فريق سلتيك لكرة السلة ذي الأصول الأفريقية، بمنحه قبلة الحياة دون جدوى سعيا لإنقاذ حياته بعد تعرضه لأزمة قلبية عام 1993. وأجاب: «أنا لا أرسم صورا نمطية بذهني. لم أنظر إليه قط باعتباره قائد جماعة كلو كلكس كلان. ربما كان يمر بيوم عصيب فحسب».

وأضاف غيتس أن أي شخص يظن أنه شخص متطرف أسمر البشرة فهو خاطئ، لأنه متزوج بسيدة بيضاء وله بنات منها ينتمين إلى عنصرين مختلفين، علاوة على أنه يحمل دماء بيضاء في أصوله.

*خدمة «نيويورك تايمز»