وطنية المالكي

TT

تخيل أن رئيس الوزراء العراقي أتى إلى واشنطن لحضور مجموعة من الاجتماعات مع إدارة أميركية جديدة. والحرب داخل بلده لم تنتهِ بعد، وما زال 130 ألفا من الجنود الأميركيين في أماكنهم، وتلوح في الأفق انتخابات وطنية مصيرية. وفي ليلة اجتماع القمة، يعقد الرئيس الأميركي مؤتمرا صحافيا متلفزا: لا سؤال يتعلق بالعراق. وبعد يومين، عقب جلسة العمل العراقية مع وزيرة الخارجية، يفضي ظهور ثنائي أمام وسائل الإعلام إلى بيان مهم، عن السياسة الأميركية في هندوراس. ويظهر نوري المالكي نفسه غير مكترث وغير مفاجأ وربما سعيدا إلى حد ما بالقدر البسيط من الاهتمام العام الذي حظي به هنا خلال الأيام القليلة الماضية. قال رئيس الوزراء في اجتماع مع ثلاثة صحافيين من «واشنطن بوست»: «قلة التركيز على العراق على المستوى العام يمثل انعكاسا لحقيقة أنه على الرغم من أن العراق كان يوما بقعة ساخنة جدا من الكرة الأرضية.. فإنه الآن بدأ يهدأ». وأضاف: «في الماضي، كان الأمر كله يرتبط بالقاعدة والميليشيات والأسلحة. وهذا دليل على أدائنا وقدرتنا على الانتصار على هذه القوى. هذا هو النجاح».

وبالطبع، لدى المالكي ما يعضده، فحصيلة القتلى بين الأميركيين في العراق كانت سبعة خلال الشهر الحالي، وهذا نصف العدد الذي قُتل في يوليو (تموز) الماضي ويمثل نسبة بسيطة من القتلى في يوليو (تموز) 2007 عندما قضى 80 شخصا. وبعد زيادة أولية في أعمال العنف بينما كانت القوات الأميركية تنسحب من المدن العراقية الشهر الماضي، تراجعت الإصابات والقتلى بين العراقيين مرة أخرى. وربما كان يوليو (تموز) هو الشهر الأكثر تمتعا بالسلام خلال أعوام، وربما خلال عقود. وقال المالكي إن الانسحاب الأميركي من المدن، والذي يأتي في التزام شديد بالاتفاقية التي وقعها العام الماضي مع إدارة بوش، قدم الكثير لتعزيز دعم العراقيين للتحالف. وقال: «أعطى ذلك صورة إيجابية جدا للشعب العراقي، ودعم مصداقية الأميركيين، وأكد على النيات الحسنة». و«وضع كل من شكك في هذه العلاقة في موقف مخجل». وبعد مرور ستة أعوام على العمليات العسكرية الأميركية وجميع ما صحبها، فإن «الإحساس العام تجاه الأميركيين إيجابي ويتسم بالتعاون وفي الواقع ثمة تطلع إلى المزيد من التعاون»، حسب ما قاله. وحاول المالكي هنا تركيز الانتباه على العلاقة الجديدة وذات السمت الطبيعي بدرجة أكبر التي يحب أن تكون بين العراق والولايات المتحدة. ودعا من أجل إنفاذ الأجزاء غير العسكرية الموجودة في اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» التي وُقّعت العام الجاري، واجتمع مع غرفة التجارة الأميركية. ووقع اتفاقية سوف تتيح للآلاف من الطلاب العراقيين الدراسة في الولايات المتحدة.

ولكن الوضع الطبيعي الجديد لم يظهر بعد، وهذا هو دور الانتخابات العامة المزمع عقدها في يناير (كانون الثاني). ويقول هوشيار زيباري وزير خارجية المالكي، إن الانتخابات سوف تكون «الأكثر أهمية» في تاريخ البلاد. وقال الأسبوع الماضي إنها «تأخذ العراق إلى مصيره ومنتهاه». وهذا لأن عملية الاقتراع سوف تحدد هل سوف يبقى المالكي، الذي يزداد حزمه كزعيم للبلاد في مرحلة ما بعد العراق، وهل سوف يحدد العراق من خلال المنافسة بين الشيعة والسنة والأكراد أم عن طريق تحالفات سياسية علمانية ووطنية.

والأحزاب الكبرى في العراق منقسمة في هذا الصدد، كما هو الحال مع جيرانها. وتروج إيران لائتلاف شيعي محض آخَر للحكم من بغداد ولدى الأردن والسعودية عملاء سنة. وعلى الجانب الآخر يقول المالكي إن له نفس مصالح الولايات المتحدة، وهو أن يشكل ائتلافا وطنيا يتجاوز هويته الشيعية ويضم سنة وربما أكرادا. ويمكن أن تتوصل مثل هذه الحكومة العراقية بسهولة إلى الاتفاقات الوطنية الخاصة بعوائد النفط والخلافات على المناطق التي تأمل إدارة أوباما الوصول إليها، وسيعني ذلك دولة عراقية أكثر ديمقراطية وأكثر ميلا إلى الغرب.

وقال المالكي بفتور: «لن ندخل في أي تحالفات على أساس عرقي أو إثني، لأنني أومن بأن العراق دولة تعتمد على مبدأ المواطنة لا على التبعية الدينية أو الإثنية». وأكد على أنه يفضل نظاما انتخابيا يعتمد على المناطق لا قائمة مرشحين وطنية لكل حزب، وهو الشيء الذي ساعد على صبغ انتخابات 2006 بصبغة طائفية. واستنكر ما وصفه بأنه تدخل نشط من قِبل جيران العراق. وقال: «إنها ذروة الفساد السياسية أن تجد قائمة تُدعَم وتموَّل من خارج العراق». وفي بعض الأحيان يشير المالكي إلى أنه لم يعد يرى دورا للولايات المتحدة في هذه المعركة على مستقبل العراق، ولكن ليس هذا ما قاله، حيث قال: «أصدقاؤنا الأميركيون يمكن أن يساعدونا عن طريق محاولة إقناع بعض من جيراننا الذين لهم علاقة جيدة معها بالامتناع عن التدخل في الانتخابات العراقية»، ويبدو أنه يريد بذلك الإشارة إلى السعودية والأردن. ولكنه أضاف سريعا: «نتفهم أنه ليس للولايات المتحدة علاقات جيدة مع بعض جيراننا».

وأضاف المالكي: «على ضوء التأثير والاحترام الذي تتمتع به الولايات المتحدة، فإنه يمكنها الترويج ودعم الاتجاه إلى ساحة سياسية وطنية تقف ضد الطائفية». وبالنسبة إليّ، فقد كانت رسالته واضحة بدرجة كافية: إذا كان سيقف ضد من داخل إيران وداخل أماكن أخرى في المنطقة ممن يدفعوا هذه البلاد إلى الطائفية، فإن رئيس الوزراء سوف يحتاج إلى العون الأميركي، ونقطة التحول سوف تكون في الأشهر الستة المقبلة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»