رجل دولة

TT

ثمة تحرك أميركي غير مسبوق في هذه المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط. وإذا كان من دليل فهو أن هذه المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط، هي مشكلة أميركية. أو هي منطقة المشاكل الأميركية، من فلسطين، أم القضايا وأم الحلول، إلى أفغانستان، حيث يتجه الأميركيون إلى التفاوض مع معتدلي طالبان بدل الاستمرار في الاعتماد على كرزاي ضعيف لم تتعد جمهوريته حدود كابل.

فتش عن جيمي كارتر، الرئيس الديمقراطي الذي أصغى إليه كلينتون من قبل، يصغي إليه الآن باراك أوباما: خففوا من الولاء لإسرائيل. فاوضوا أعداءها. حادثوا سورية. اشتروا جنون كوريا الشمالية. اتركوا العراق. ابحثوا عن أصدقاء جدد في أفغانستان. حاولوا أن تعثروا على حلفاء من خلف ظهر رئيس باكستان. أكثروا من نوع جورج ميتشل. جربوا الحوار كسلاح بطيء وفعال.

المشكلة الكبرى هي أن تخفق كل محاولات الحوار. أن يفشل أوباما، ليس في كسب طالبان، بل في الضغط على نتنياهو وليبرمان. وأن يفشل في فتح حوار حقيقي مع طهران، لأن الحكم لا يريد في المرحلة الحالية حوارا مع أحد ولا انفراجا مع أحد. فكل خصوم أميركا لا يريدون أن يضيعوا الفرصة. مثلما لها مطالبها لهم شروطهم. ولا أحد على عجل من أمره كما هي على عجل في كل مكان: تتراجع في العراق تندفع في أفغانستان وتحار في كوريا الشمالية وتواجه في إسرائيل رجالا بلا أخلاق وتجد في فلسطين رجالا بلا قوى ولا نفوذ.

أهم وأعظم لقب يستطيع أن يحمله سياسي هو «رجل دولة». هناك كثيرون يلقبون بالزعماء وبالقادة وبما تشاء. لكن لقب رجل دولة يؤخذ مثل الوسام أو الوشاح. وباراك أوباما رجل دولة. إنه تعبير أحبه، مثل رجل القانون. مثل رجل الفكر، ذلك المصطلح الذي بدأ استخدامه في العصر الفيكتوري الجميل. رجل آداب.

حتى هيلاري كلينتون، الشيخة السابقة في نيويورك، تتحدث الآن بلغة أوباما. دعونا مما تقوله في كوريا الشمالية، فهي في ذلك على حق. لا دولة في كوريا الشمالية. هناك حالة تشبه حالة العفاريت. وقد حق لنا أن ننتقد أميركا من أجل كل شيء وأي شيء. أما أن ننتقدها من أجل كوريا الشمالية فهذه مشاركة في هذه الثقافة الهوائية القائمة على عزل الداخل بالجوع وابتزاز الخارج بالحصى.

باراك أوباما رجل دولة. لذلك أوفد إلينا رجل دولة من طينته، هو جورج ميتشل. الحوار لا يكون بالمدافع ولا بالشتائم. هناك طاولة يجلس إليها رجال الدولة، لها آدابها وخطابها، سواء فشلوا أم لا.