التقارب التركي ـ السوري.. الاختبار الأول

TT

أمام «غياب الإرادة السياسية» في إسرائيل لتحقيق السلام العادل التي تحدث عنها الرئيس السوري بشار الأسد والأصوات الإسرائيلية الكثيرة التي تردد، تحديدا في هذه الآونة، أن أنقرة فقدت مصداقيتها وحيادها، وبالتالي، فرصتها في مواصلة لعب دور الوساطة الذي بدأته قبل عامين بين دمشق وتل أبيب، خصوصا بسبب مواقفها الأخيرة في الحرب الإسرائيلية على غزة، وكلام رجب طيب أردوغان الشديد اللهجة، واتهاماته الموجهة لإسرائيل في قمة دافوس الأخيرة، ينبغي البحث عن أسباب أخرى لزيارة رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، العاجلة والمفاجئة إلى سوريا.

هو قصد حلب لتسلم دكتوراه الفخرية التي سيعتز بها حتما، فهي أول شهادة تمنحها الجامعة من هذا النوع، رغم مرور أكثر من نصف قرن على تأسيسها، لكن تفسيرات وتحليلات توجهه إلى هذه المدينة في زيارة اليوم الواحد مصطحبا مهندس السياسة الخارجية التركية، داود أوغلو، ليعلن من هناك أن «المساهمة السورية في تحقيق السلام مسألة مهمة وأساسية، وأنها ستقود حتما لدفع مسار السلم الإقليمي وإيصاله إلى خط النهاية»، تظل الأقرب إلى المنطق والواقع.

المؤكد أيضا أن حكومة العدالة والتنمية التي تجد صعوبة في الخروج من مأزق جمود الوساطة التي بدأتها بين دمشق وتل أبيب تسعى لإيجاد البديل الذي يحمي موقعها ودورها الإقليمي، وكان الخيار الأوفر حظا هنا هو الدخول على خط العلاقات الأميركية ـ السورية للمساهمة في دفع هذا المسار، والمساهمة في إيصاله إلى ما يرضي دمشق وواشنطن، ويفتح الطريق أمام فرصة جديدة من الحوار والتفاهم. أردوغان يحاول أن يقول إن جعبة تركيا لن تفرغ من المفاجآت والخيارات، وإن الجمود القائم على خط دمشق ـ تل أبيب، يمكن استبدال تحريك عجلة التقارب والانفتاح الأميركي ـ السوري، الذي يريده الجميع، به، خصوصا في هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة وأمام تعهدات الرئيس الأميركي التي أطلقها معلنا التزامه بتوفير الحل العادل والدائم في الشرق الأوسط.

القاسم الجامع بين صعوبة تجدد الوساطة التركية على خط دمشق ـ تل أبيب، ودعوات أردوغان لأن «تمارس سوريا دورها الإيجابي»، هو التحركات التركية المتزايدة نحو دمشق في الأشهر الأخيرة، والمصحوبة بتحرك أميركي لا يقل زخما باتجاه العاصمة السورية. يعكس التنسيق التركي ـ الأميركي في التعامل مع هذا الموضوع، واقتناع واشنطن بما تقوله أنقرة حول ضرورة مراجعة أميركا لسياستها السورية. الثابت هو أن العلاقات التركية ـ السورية أخذت منحى جديدا منذ أكثر من 7 سنوات أزال مخلفات الاحتقانات التي كادت أن تقود إلى مواجهة عسكرية شاملة، والمتحول هو أن تقدم مسار العلاقات الذي بدأ يأخذ بعدا استراتيجيا إقليميا سيكشف لنا، في الأيام المقبلة، عن مدى قدرته على التعامل مع الظروف والوقائع الجديدة التي تعنيهما معا في أكثر من مكان. حديث الرئيس الأسد عن غياب الشريك الإسرائيلي الجدي، وكلامه الأخير حول أن «المشاكل التي لا تحل عاجلا تصبح مشاكل مزمنة في منطقتنا، تتفاقم وتزداد تعقيدا كما تعلمنا» سيفسر على أنه بمثابة رسالة تحمل الكثير من الواقعية والبرغماتية المرنة التي اعتمدتها سوريا في سياستها الإقليمية الجديدة. وها نحن اليوم بدل الحديث عن تعثر الوصول إلى اتفاقية سورية ـ إسرائيلية وصل إليها الجانبان، نتحدث عن عدم انسداد الفرص في إعادة جمع وتركيب طاولة الحوار لتكون أميركية ـ سورية هذه المرة.

إضافة لا بد منها، وهي أنه كلما عززت سوريا من فرصها هذه في لعب أوراق جديدة أكثر انفتاحا واعتدالا يريدها الكثير من العرب في بناء سياساتها الإقليمية، أغضبت الكثير من اللاعبين الإقليميين، وفي مقدمتهم إسرائيل طبعا. امتحان الموقف السوري في الأزمة الحكومية اللبنانية، والتصعيد الإيراني الأخير في ملف التسلح النووي، هما بين الاختبارات الأقرب في تحولات السياسة السورية الإقليمية.

إضافة أخرى هي أن زيارة أردوغان إلى دمشق على علاقة مباشرة بتحركات ولقاءات السياسيين والدبلوماسيين الأميركيين المتزايدة، لكنها فرصة أيضا ضمن خطة زيادة الضغوطات على الحكومة الإسرائيلية لإجبارها على تعديل سياستها وتغيير مواقفها المتشددة، وما الصراخ الإسرائيلي المتعالي هذه الأيام ضد أنقرة سوى مؤشر على ذلك.

أركان الحكم الائتلافي بقيادة نتنياهو ربما هم قادرون على الاستمرار في رفضهم وتصلبهم والتهديد بتوسيع رقعة المستعمرات، والتلويح بلعب ورقة القدس، لكنهم لن يخرجوا سالمين بمثل هذه السهولة من حملة عربية واسعة، ومنظمة، بدأت منذ أشهر تطالب أميركا وأوروبا بتنفيذ التزاماتهما وتعهداتهما والتصدي الفعلي لمعرقلي مشروع بناء السلام العادل والشامل في المنطقة.