من حلب إلى نيويورك

TT

منذ أيام قليلة ألقت قوات الأمن الفيدرالية الأميركية (الإف بي آي) القبض على 44 شخصية عامة معظمهم من الحاخامات اليهود المنتمين لطائفة السفارديم، وتحديدا اليهود السوريين (واليهود السفارديم لفظ يطلق على اليهود الذين عاشوا في الدول الإسلامية أو هاجروا إليها هربا من الاضطهاد الأوروبي)، وظاهر القصة كان صادما للأميركيين، فالمقبوض عليهم متورطون، حسب التهم الموجهة إليهم، في عمليات غسيل أموال وبيع كلى والاتجار بحقائب نسائية مقلدة. والطائفة اليهودية السورية القاطنة في الولايات المتحدة وتحديدا في منطقتي نيويورك ونيوجرسي، يتحدر معظمها من دمشق وحلب، وقليل من القامشلي بسورية، وإن كان التميز كان بينها للمتحدرين من حلب نظرا للإرث التاريخي للمدينة في التاريخ اليهودي، ووجود معبد قديم يعود للنبي داود (حسب روايتهم)، بالإضافة إلى أن إحدى أهم قراءات وتفاسير التوراة يطلق عليها الشفرة الحلبية. تعداد الجالية، التي يتمركز أغلبها في حي بروكلين الشهير بنيويورك، حوالي 75 ألفا، ولعل أشهر أعضائها المصرفي الراحل إدمون صفرا الذي كان ينتمي إلى أسرة تعمل بتجارة الذهب (ومن هنا جاء اسم صفرا) وهو الذي كان خلف مصارف صفرا وريبابلك ناشيونال بنك.

ولكن القصة تزداد إثارة وبقوة! إذ هناك تقارير وتكهنات تزعم وجود رابط بين هذه المجموعة المتهمة وبين حزب شاس المتطرف في إسرائيل وزعيمه الروحي الأكثر تطرفا الحاخام عوفاديا يوسف المعروف بألفاظه النابية بحق العرب والفلسطينيين، فابنه على صلة بالحاخام إلياهو بين حاييم أحد الحاخامات المقبوض عليهم في هذه التهمة، وفي زياراته إلى أميركا كان يجمع التبرعات «لحزب جديد» في إسرائيل يضم أبرز أسماء طائفة السفارديم، حتى رجل الأعمال «النصاب» بيني مادوف الذي أدين في محكمة أميركية بإهدار 50 بليون دولار والموجود الآن خلف القضبان، «تبرع» بـ19 مليون دولار منذ فترة لإحدى الشخصيات المقبوض عليها. والآن هناك اتجاه في إسرائيل وجهاز الأمن، وتحديدا الذراع المعنية بغسيل الأموال، لبدء التحقيق بحق حزب شاس، ولن يقتصر التحقيق على حزب شاس بإسرائيل، ولكن من المرشح أن يطال عددا غير محدود من المؤسسات والجمعيات الخيرية التابعة لطائفة السفارديم، وقد يطال التحقيق أيضا بعض المصارف التي ساهمت في نقل الأموال «المتبرع» بها لصالح شاس. وطبعا خرجت بعض الأصوات التقليدية في إسرائيل والتي تعتبر هذه العملية الأمنية الأخيرة نموذجا صارخا «للمعاداة للسامية» بحق اليهود، بينما هناك أصوات يهودية توافق على هذه الحملة معتبرة إياها فرصة لتطهير مصادر التمويل المريبة.

بيع الكلى وصل في هذه العملية التي كانت مستمرة لسنوات، إلى أن كانت الكلية الواحدة تعرض بـ160 ألف دولار، ويتم الحصول عليها من الفلبين لصالح الأثرياء اليهود. توظيف المال واللعب به باسم الدين ليس بجديد، فالذاكرة لا تزال حية بما فعلته بعض شركات توظيف الأموال في مصر، وكذلك الكنيسة الكاثوليكية في السبعينات من القرن الماضي، ولكن هذه العملية بها العديد من العمليات الغامضة والمريبة والتي لم تكشف بعد. وقد يأتي اليوم القريب بعد إتمام التحقيق أن يُعرف المزيد من التفاصيل (إذا سمح لها أن تظهر!). فاضح القصة هو تاجر أسهم وأراض من طائفة اليهود السوريين أنفسهم، واسمه جوي عنتر (وهو ابن عم ايدي عنتر المعروف ببيع الأجهزة المنزلية في نيويورك بأسعار منخفضة في الثمانينات من القرن الماضي وصاحب متاجر «ايدي المجنون»).. والقصة فصولها لم تنته بعد.