تعديات في ذكرى الغزو العراقي للكويت

TT

تمر غدا الذكرى التاسعة عشرة للغزو العراقي للكويت، والمتابع يدرك ما تسبب به ذلك الاعتداء الأثيم من نتائج وخيمة على البلدين وعلى المنطقة برمتها. كما أن المتابع يرى أن ثقافة الاعتداء لا تزال حبيسة بين الحدود العربية ـ العربية، بل وحتى العراقية الكويتية. تصريح وزير الخارجية الكويتية ـ الدكتور محمد الصباح ـ قبل أيام من الذكرى المشؤومة بأن «هناك تعديات حدودية عراقية على الكويت»، أرسل صعقة لكل جهود التصالح والوفاق بين الشعبين، وأحدث خيبة أمل لكل من يرسم لعلاقة مستقبلية بناءة بين البلدين تتجاوز جراح الماضي، وتهدف لمستقبل أفضل. تتزامن هذه التعديات الحدودية مع تراشق إعلامي بين بعض نواب وإعلاميي البلدين حول مسألة إخراج العراق من عقوبات البند السابع التي فرضت عليه من قبل المجتمع الدولي بعد الغزو مباشرة، واشترط رفعها التزام العراق وتنفيذه لكافة قرارات مجلس الأمن، بما فيها إعادة جثامين الأسرى الكويتيين والمسروقات الكويتية وترسيم الحدود.

والحق إن العراق «الجديد» قد بذل جهدا جبارا ولا يزال في إعادة جثامين الأسرى الكويتيين وإعادة المسروقات الكويتية، لكن «مسمار جحا» في تسميم العلاقات لا يزال وضع بضع علامات حدودية بين البلدين. وهي باختصار علامات تخُط بشكل واضح الحدود بين البلدين بموجب قرار مجلس الأمن رقم 833 لترسيم الحدود والذي وافق عليه الطرفان منذ عهد نظام صدام واستمر الالتزام المعلن به حتى اليوم. لكن بعض المواطنين العراقيين تجاوزوا الحد المرسوم وامتدوا بمزارع داخل الأراضي الكويتية، وهو الأمر الذي رفضته الكويت وأنشأت صندوقا نقديا لتعويض هؤلاء المزارعين شريطة سحب حدود مزارعهم داخل الأراضي العراقية. والكويت من ناحيتها، لا يمكنها القول بأن العراق قد نفذ كافة التزاماته ما لم تحسم هذه المسألة، مع الأخذ في الاعتبار أن الكويت ليست الصين ولا روسيا، ولا هي عضو دائم في الأمم المتحدة ولا تملك حق الفيتو، لكنها لا تملك أن تقول غير الحقيقة للمجتمع الدولي، وهو القادر وحده على رفع العراق من البند السابع من عدمه، وهذه مسألة يقرها الطرف العراقي بكل وضوح وموضوعية.

يعيش العراق مرحلة انتقالية تتخللها تعديات على حدوده من قبل إيران شرقا وتركيا شمالا، فبين فترة وأخرى نسمع عن قصف إيراني لمناطق شرق العراق، وغارات واجتياحات تركية شماله في مطاردات لا تنتهي ضد الأكراد.

بل إن العراق يعيش أزمة داخل أراضيه، فمسألة كركوك تشكل أم الأزمات العراقية الداخلية المستقبلية، وهي عامل توتر وصدام بين العرب والأكراد والتركمان والأقليات الأخرى، وحدود الموصل مشكلة في حد ذاتها، وإدارة المدينة متنازع عليها بين العرب والكرد، بل إن محافظتي كربلاء والأنبار تتنازعان على تبعية منطقة «الخبيب» الملحقة بالأنبار والمحاذية للمملكة العربية السعودية.

إذن العراق يعيش مشاكل داخلية وحدودية متعددة، وليس من مصلحته ـ ولا مصلحة الكويت ـ استمرار عوالق حدودية يمكن حلها وبسرعة، مثلما حث الأمين العام للأمم المتحدة العراق على الإسراع بوضع العلامات الحدودية المتبقية.

تصريح وزير الخارجية الكويتي عن التعديات لم تعقبه لغة متشنجة ولا تهديد ولا وعيد، بل لغة تهدئة واستعداد كويتي لحل مسألة التعويضات بمفاوضات مباشرة تحت إشراف الأمم المتحدة، بل والإشارة إلى استعداد الكويت لطرح أفكار جديدة من شأنها استثمار التعويضات بما يعزز رؤية مستقبلية بناءة بين الطرفين.

ليس من مصلحة العراق والكويت افتعال مشاكل لأجندات خارجية أو مصالح وحسابات ذاتية داخلية، وعلى الفريقين الإسراع إلى طاولة مفاوضات بإشراف دولي للتعجيل في غلق كافة الملفات لما فيه مصلحة الشعبين. وغير ذلك لا يصب في صالح تجاوز الغزو ونتائجه الكارثية على الطرفين..