عندما يكون من الحكمة ألا نفعل شيئا

TT

ماذا يحدث في إيران؟ ما يبدو على سطح الأحداث هو أن البلاد قد عادت إلى ما كانت عليه الحال من قبل. فقد خفت حدة المظاهرات التي كان يتم تفريقها سريعا. لكن ما يختبئ تحت رماد الهدوء، هو ذلك النشاط المحتدم وبدايات تكون المعارضة السياسية. ففي الأسبوع الماضي، أعلن مير حسين موسوي المرشح الذي خسر الانتخابات الرئاسية، عن نيته تأسيس «حركة اجتماعية كبرى» لمعارضة الحكومة والضغط عليها من أجل المزيد من الانفتاح السياسي. كما دعا محمد خاتمي الإصلاحي والرئيس السابق، إلى استفتاء شعبي على قبول الحكومة. كما انتقد إصلاحي قوي آخر ورئيس سابق وهو علي أكبر هاشمي رافسنجاني معالجة النظام للانتخابات و«كارثة» ما بعد الانتخابات.

وقد طالب هؤلاء الثلاثة جميعا بإطلاق سراح السياسيين والصحافيين المعتقلين أخيرا من دون توجيه تهم إليهم. (من هؤلاء المعتقلين مازيار بهاري مراسل نيوزويك في طهران، الذي يحمل الجنسية الكندية، وهو صانع أفلام وثائقية عالمية مشهور). فهؤلاء ليسوا منشقين في الصحراء. ومن بين هؤلاء ثلاثة رجال كانوا في سدة الحكم خلال معظم فترات حياة الجمهورية الإسلامية.

وقد كانت انتفاضة رجال الدين أشد قوة. وهناك عدد من آيات الله وهي المرتبة العليا في النظام الديني الشيعي. ولكن القليل منهم قد أعلن عن تأييده لمحمود أحمدي نجاد. وفي الوقت نفسه، وحسب الموقع الإلكتروني لمكتب طهران، فإن ستة من آيات الله قد انتقدوا النظام علانية. وفي الأسبوع الماضي، أصدر أحدهم فتوى (حكم ديني) أعلن فيها أنه من المناسب مقاطعة حفل تنصيب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد. كما انتقد بصورة مباشرة القائد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي.

وتلقي تصرفات رجال الدين الضوء على تحول القوة في إيران بعيدا عن المؤسسة الدينية باتجاه الجيش. ويمثل أحمدي نجاد هذا التغيير، حيث إنه ليس رجل دين، وهو محارب قديم أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ولديه علاقات قوية بحرس الثورة وهو الجيش الموازي الذي أسسه آية الله روح الله الخميني لأنه لم يكن على ثقة بجيش الشاه. ومع تولي أحمدي نجاد للرئاسة، أمر بتوجيه أموال الدولة بعيدا عن المؤسسات الدينية التي يسيطر عليها رجال الدين وإنفاقها على الجيش والحرس.

وقد كان ذلك التحول من رجال الدين إلى الجيش غامضا، حيث كان خامنئي يمثل جزءا من المعسكرين. وهو بالطبع رجل دين لكنه كان دائما قريبا من الحرس الثوري وحصل على تأييدهم. ومع ذلك، فإن أحمدي نجاد لا ينتمي إلى المؤسسة الدينية. وهو لم يتحد خامنئي الذي يعتبر مؤيده الأساسي مطلقا، حتى عندما رفض في بادئ الأمر سحب مرشحه لمنصب النائب الأول للرئيس على الرغم من معارضة القائد الأعلى. وعلى الرغم من صعوبة المعرفة الدقيقة لحقيقة الخلاف بين خامنئي وأحمدي نجاد وما يمثله من انعكاسات، إلا أنه يمثل بلا شك زيادة في انقسام النخبة الحاكمة.

وقد عمل الخوف الشديد لدى كل من إسرائيل وأميركا من امتلاك رجال الدين في إيران لأسلحة نووية، على نسيان حقيقة تلاشي هذا الدور لهم في إيران. وربما يمكننا القول بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تفقد الأساس الديني لسلطتها وتتحول إلى ديكتاتورية أخرى من ديكتاتوريات الشرق الأوسط، والاختلاف الوحيد هو وجود حركة معارضة لا يبدو أنها سوف تهدأ.

فما معنى هذه الأزمة بالنسبة إلى واشنطن وغيرها من الدول التي تتعامل مع إيران؟ من الواضح أن هذه الأزمة تجعل المفاوضات مع طهران شبه مستحيلة في ظل الأوضاع الراهنة. ومن الواضح أيضا أن أي مكاسب يمكن أن تتحقق في مفاوضات مع نظام يبحث عن الشرعية، يمكن أن تكون مؤقتة.

إن أفضل استراتيجية هي ألا نفعل شيئا. وقد فعلت هيلاري كلينتون ذلك بالفعل عندما أجلت مسألة التفاوض مع إيران. وفي حقيقة الأمر، فإن الكرة في ملعب طهران على أي حال. وفي شهر ابريل (نيسان) الماضي، قدم الغرب إلى إيران عرضا بإجراء المباحثات وقد كان ذلك العرض جادا وكريما. ولندع خامنئي وأحمدي نجاد يضعان تصورا للرد، حيث إنهما يزعمان أنهما سوف يفعلان. ويواجه الغرب قيودا، لكن قادة إيران يواجهون عددا أكبر منها.

وقد يجادل البعض بأن ذلك يسمح لإيران بالاقتراب أكثر من إنتاج القنبلة النووية. لكن الطريقة الأفضل لإبعاد شبح هذا التهديد الذي لا يزال غير وشيك، والذي كان يشكل دائما حجر عثرة، هي السياسة التي نجحت في مواجهة ستالين وماو وتنجح في مواجهة كوريا الشمالية، وهي الدولة التي يوجد بها نظام غريب وغير مستقر على الإطلاق. ومرة أخرى، وضعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الخطوط العريضة لهذه السياسة في الأسبوع الماضي. (عندما عرضت توفير مظلة نووية، وقد انتقدت إسرائيل الولايات المتحدة، في إشارة على ضعف العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية الحالية وواشنطن).

إن الوقت لا يلعب في صالح النظام الإيراني. فوسط كل هذه الفوضى، لدينا إجابة واضحة عن السؤال الحرج. وهذا السؤال هو: هل هناك معتدلون في إيران؟ والإجابة هي نعم، هناك الملايين منهم.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»