اعترافات أبطحي وتخويف المعارضة

TT

لا يحتاج المتشككون في أخلاق الحكومة الإيرانية إلى تكذيب ما تبثه هذه الأيام، وأبرزه ما أثار السخرية من اعترافات متلفزة بثها التلفزيون الرسمي أمس، فمصداقية السلطة مكسورة تماما، ليس فقط بسبب تزويرها النتائج، بل أيضا نتيجة سلسلة الأحداث الأخيرة المتعددة التي صارت فيها البيانات والأخبار الرسمية كوميديا بائسة.

تم اعتقال محمد علي أبطحي، الساعد الأيمن للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وأحد أركان الحركة الإصلاحية منذ بداية الأزمة، ولم يسمح لأحد بزيارته أو معرفة أخباره، حتى ظهر في المحاكمة السريعة مع متهمين آخرين تم تغييبهم مثله في السجون. وكلنا ندرك أن أي اعتراف في السجن عادة لا يصدقه أحد، بل يدفع مظهر السجين الناس للشفقة عليه، فيصبح السجان في أعين الناس هو المجرم والمسجون هو الضحية.

ولهذا السبب، ومهما قال أبطحي الآن وأقر به، لا يعتد به، فالرجل مهدد بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، تهمة هدفها الأساسي ترويعه وإجباره على الإدلاء بالقصة التي تريد السلطة نشرها. فكان أمام أبطحي الاختيار بين الإعدام أو الاعتراف بما تريده السلطة، والنتيجة عادة هي الاعتراف الذي يدرك أبطحي أن رفاقه سيعذرونه على قوله، وسيدافعون عنه مهما استخدم للانتقاص منهم وربما محاسبتهم لاحقا.

أبطحي رجل مثقف، عرفه العرب بصورة استثنائية أكثر من بقية المسؤولين الإيرانيين لأنه يتحدث العربية، ويشارك في ندواتهم، وعرفناه أكثر الناس دفاعا عن النظام والسياسات الإيرانية، وليس ذلك غريبا عليه لأنه جزء من النظام، مثله مثل قادة الثورة الخضراء في طهران من موسوي وكروبي وخاتمي ورفسنجاني.

والنظام يعي جيدا أن أحدا من معارضيه لن يصدق رواية اعترافات أبطحي، لكنه يريد إخافتهم جميعا، الرسالة الموجهة إليهم أنه سيسوقهم إلى السجون، والتعذيب، والاعترافات المتلفزة المزورة. فهي معركة بين فريق مسلح وفريق أعزل. معركة على لوح شطرنج اقتربت نهايتها، فالمعارضة تحدت السلطة بالمظاهرات، والسلطة مارست القتل علانية ونفذت اعتقالات أيضا بحق المتظاهرين واعترفت بها. المعارضة تقدمت بإجراءات احتجاجية قانونية عبر البرلمان ونجحت. السلطة ردت باستعراضها الجديد بمحاكمات علنية تخويفية، ولم يبق سوى أيام على تنصيب أحمدي نجاد في ظل أجواء التخويف الطهرانية.

بهذا تكون السلطات الإيرانية قد ضيقت المسار على خصومها ووضعتهم أمام خيارات محدودة، إما الاستمرار في تحديها واحتمال محاكمتهم بالخيانة العظمى، أو الانسحاب والقبول بنجاد حاكما بعد أيام، وإنهاء الثورة. أي أننا بلغنا مرحلة أكثر خطورة من قتل المتظاهرين في الشارع إلى إعدام كبار المسؤولين وتصفية رموز المعارضة. هذه معاني المحاكمة التي لم تكن مفاجأة بل متوقعة منذ أسابيع، بعد عدة تصريحات عن اعترافات مزعومة أدلى بها أبطحي. لهذا السلطات لا تريد إقناع الناس باعترافات سجينها أبطحي، بل إقناع المعارضة بأنها جادة في مواجهتهم مهما تطلب الأمر، وأنها لم تعد تخشى الرأي العام الإيراني أو الدولي.

[email protected]