أوباما يكتشف حدود مبادرات التفاوض

TT

تفتقر إدارة أوباما إلى وجود آيديولوجية في السياسات الخارجية كآيديولوجية في حد ذاتها. وقد أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أمام مجلس العلاقات الخارجية قائلة: «لا تنطبق الآيديولوجيات الصارمة والصيغ القديمة». لقد تم تمرير الشعلة إلى جيل جديد من الأميركيين، الذين تأثروا بالبراغماتية ويفخرون بها ويرغبون في التفكير في كل شيء على أساس كل حالة منفردة.

ولكن مع عدم وجود آيديولوجية، لا تملك الإدارة مذهبا. ويعد المبدأ التعريفي لسياسة أوباما الخارجية هو التفاوض مع أعداء أميركا. وقد صمم جزء كبير من الدبلوماسية العامة للرئيس لتمهيد الطريق من أجل إجراء تلك المفاوضات، بالإعراب عن احترام الشكاوى الشرعية والاعتذار عن أخطاء الماضي وعرض الحوار دون شروط مسبقة.

بعد ستة أشهر كيف أبلى مذهب أوباما؟ في ما يتعلق بكوريا الشمالية وإيران، يرقد المذهب على فراش الموت.

كان رد فعل كوريا الشمالية على محاولة الإدارة للتفاوض باختبار سلاح نووي وإطلاق صواريخ نحو حلفاء أميركا، واستكمال عمليات معالجة البلوتونيوم، وتهديد الولايات المتحدة بانتقام نووي عنيف. وفي أثناء شهادتها أمام الكونغرس قالت كلينتون: «في هذه النقطة يبدو الأمر غير ممكن، إن لم يكن مستحيلا، وسيعود الكوريون الشماليون إلى المباحثات السداسية وسيبدأون في وقف قدرتهم النووية من جديد».

وكان رد فعل النظام الإيراني على التفاوض هو افتتاح منشأة تخصيب لليورانيوم، وإضافة أجهزة طرد مركزي، وإجراء انتخابات مزورة، وقتل واعتقال العديد من الخصوم السياسيين. وفي ما يتعلق بمحاولات الإدارة، صرحت كلينتون لـ«بي بي سي» قائلة: «لم نجد أي استجابة. لقد عرضنا التفاوض وأوضحنا أننا راغبون في ذلك.. ولكني لا أعتقد أن لهم القدرة على اتخاذ ذلك القرار في الوقت الحالي».

والمشكلة ليست في التفاوض في حد ذاته، الذي قامت الإدارة السابقة بمحاولات في صور مختلفة من أجل تحقيقه. ولكن تكمن الصعوبة في أن فريق السياسة الخارجية في إدارة أوباما كثيرا ما يقول إن السبب في التوتر والصراع مع دول مثل كوريا الشمالية وإيران يرجع إلى عدم وجود تعاون أميركي مناسب، وهو أمر سخيف ويطرح توقعات عالية سخيفة.

وفي أثناء الحملة الانتخابية عام 2008، قال مستشار أوباما بي جيه كرولي (المتحدث باسم وزارة الخارجية حاليا): «إن المتشددين في كلا الجانبين يسودون العلاقة ويجعلون من الصعب على الولايات المتحدة وإيران التقارب وإجراء محادثات جادة». ولكن هل يمكن إلقاء اللوم في عدم وجود مباحثات جادة مع إيران ـ أو كوريا الشمالية ـ على الإدارة السابقة في الوقت الحالي؟ يمد أوباما يده بالمساعي الدبلوماسية منذ فترة، ولكن ما زالت أيدي الخصوم مطبقة. وليس ذلك لأن هناك بعض الكلمات الدبلوماسية السحرية التي لم تُقَل بعد، ولكن بسبب طبيعة الأنظمة القمعية أنفسها.

غالبا ما تكون مثل تلك الأنظمة منهمكة داخليا. ولأنها تفتقر إلى الشرعية الحقيقية تحديدا، فهي تُمضي وقتا طويلا في الحفاظ على سلطتها الهشة، وتعزيز قوتها، وإدارة فترات انتقالية غير ديمقراطية. وتواجه كوريا الشمالية أزمة في الخلافة. وتتعامل إيران مع استياء متزايد وانقسام بين رجال الدين. وتميل كلتاهما إلى القيام بحسابات تعتمد على صراعات القوة الداخلية، لا حسابات منطقية تتعلق بصورتها ومصالحها في الخارج. وهي أيضا تركز داخليا على أنها لا تملك، كما تقول كلينتون، «أي قدرة» على الاستجابة للمفاوضات. ومن المثير للتساؤل في تلك الحالات ما إذا كان لدينا أي شركاء جادّين في المفاوضات.

ويؤدي عدم الاستقرار الراسخ في الأنظمة القمعية أيضا إلى فرضها السيطرة بالحديث عن تهديدات خارجية، وبخاصة من الولايات المتحدة. ولأن معاداة الولايات المتحدة في صميم الآيديولوجيات الكورية الشمالية والإيرانية، يتطلب أي تخفيف لذلك الشعور نوعا من التغيير الإرادي في النظام. وتحتاج كل من بيونغ يانغ وطهران العثور على مصدر جديد للشرعية، أي دعامة جديدة لسلطتها، بدلا من كراهية أميركا. وذلك ليس سهلا أو محتملا.

وتتجه حملة إدارة أوباما العامة في التفاوض مع الأعداء نحو تبعات غير مقصودة على الإطلاق. وفي النهاية، ستطرح توقعات باتخاذ إجراءات. وفي الوقت الذي تلقي فيه اليد الممدودة صفعات مرارا وتكرارا، ستنكشف أهداف كوريا الشمالية وإيران تماما وسترتفع التكلفة التي ستتكبدها المصداقية الأميركية. وقد منحت الإدارة بالفعل إيران موعدا نهائيا يحل في سبتمبر (أيلول) للرد على عرض بإجراء المفاوضات، وهددت باتخاذ «إجراء معطل» إذا حصلت إيران على قدرات نووية. ويستعد الكونغرس لفرض عقوبات على البترول الإيراني المكرر، مما سيرفع من حدة التوترات بصورة كبيرة.

وتلك هي المفارقة في مذهب أوباما. وفي محاولته للتفاوض مع كوريا الشمالية وإيران بوضوح، يعرض أوباما حدود التفاوض، ويقيم حجته من أجل المواجهة.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»