كفاية «بووووووس»!

TT

بعد أن انتقلت إنفلونزا الخنازير من مرحلة الإصابة إلى مرحلة الوفيات في العالم العربي، فقد وجب القول بضرورة إيقاف سيل القبلات المجانية التي يتبادلها الناس في المناسبات المختلفة، ولا أدري متى ظهرت عادة «البوس» هذه، وكيف انتشرت حتى أصبحت مرادفة للتحية لدى البعض، فلا تكاد ترى أحدهم حتى تجهز خدك للشفط، وتلك مرحلة التعبير الأكثر حرارة، وقد أحصى أحدهم عدد القبلات التي تلقاها في ليلة زواجه بما يتجاوز الأربعة آلاف قبلة، حتى أنه حينما دخل على عروسه كان في حالة غثيان من كثرة القبل.

لقد كان الطبيب المصري عادل عاشور الذي اعتزم إنشاء جمعية لمنع القبلات على حق، وهو يحذرنا من خطورة القبلات، حتى من قبل ظهور إنفلونزا الخنازير، مؤكدا أن القبلات يمكن أن تتسبب في انتشار أمراض خطيرة فيروسية وميكروبية، فثار أنصار القبلات على الرجل، وأمطروه بوابل انتقاداتهم، ولربما قبلاتهم أيضا، فاختفى، واختفت معه أخبار جمعيته، وبعد ظهور مرض إنفلونزا الخنازير أفتى أحد في فلسطين بوقف القبلات في الأعراس والمناسبات، ومع هذا ظل الناس يواصلون «البووووس» في «الفاضي» و«المليان».

ويرى العالم «بيترماتش» أن لكل إنسان حدودا ومياها إقليمية ـ مثل الدول ـ لا ينبغي أن يقتحمها الآخرون إلا بإذنه، وأبعاد هذه الحدود ليست منتظمة، فهي تمتد من نصف متر إلى 4 أمتار، والإنسان يسمح للذين يحبهم فقط أن يقتربوا إلى الدائرة الحميمة، التي لا تبعد أكثر من نصف متر، تليها الدائرة الثانية التي تضم الأصدقاء والمعارف القريبين، وهي تبعد نحو متر وربع المتر، أما الدائرة الثالثة التي يصل مداها إلى 4 أمتار، فهي منطقة يمكن أن يدخل إليها الناس الذين نلتقي بهم في شوارع العمر من غير الأحباب والأصدقاء.

ووفق هذه النظرية أستطيع أن أجزم أن مياهنا الإقليمية «الشخصية» منتهكة إلى حد الشيوع، فهذا جاري الذي التقي به يوميا، وقد فجرت شمس الظهيرة أنهار العرق في جسده لا يكتفي بإلقاء التحية من بعد، ولكنه يأتي ليطبع على وجهك عددا من القبلات، ويمكنك أن تتصور حجم المأساة إذا علمت أن المياه تنقطع عن حينا بالأيام.وفي زمن إنفلونزا الخنازير يفترض أن نرفع شعار «كفاية بووووس»، وأن نطبع تلك العبارة على قطعة معدنية صغيرة على صدورنا، فلعلنا نستطيع أن نوقف، أو نخفف من سيل هذه القبلات المجانية التي تهطل على وجوهنا في الدروب.

[email protected]