لحظة أبلغ كاسترو باغتيال كينيدي

TT

في 23 تشرين الثاني 1963، كان الصحافي الفرنسي جان دانيال وزوجته ميشال يتناولان طعام الغداء إلى مائدة فيدل كاسترو في فاراديرو، مقر «القائد الأعظم»، عندما رن جرس الهاتف. رفع كاسترو السماعة وفي لحظات اكفهر وجهه وهو يسأل: «هل الإصابة خطيرة؟».

ثم وضعها وقال بالإسبانية لضيفيه: «هذا نبأ سيئ». وبعد نصف ساعة أعلن راديو هافانا وفاة جون كينيدي. وازداد وجوم كاسترو الذي كان يحاول بصعوبة إخفاء مشاعره. قبل ذلك بأيام قليلة كان جان دانيال ضيفا على جون كينيدي في واشنطن. وقد أظهر في استقباله حفاوة شديدة ومودة، لكنه لم يصرح تماما بالموافقة على الاقتراح الذي تقدم به الصحافي الفرنسي، وهو أن يتولى التقريب بين البيت الأبيض والثائر الكوبي.

على أن كينيدي أوضح ما يقلقه أكثر من أي شيء: أن تكون كوبا شيوعية أو لا تكون، المسألة غير مهمة. لكن واشنطن لن تتهاون أمام نمو العلاقات العسكرية بين هافانا وموسكو. وقد أثبت كينيدي قبل ثلاثة أشهر إلى أي مدى يمكن أن تذهب بلاده في المواجهة من خلال أزمة الصواريخ.

إذن، قال للصحافي الفرنسي: أتمنى أن يكون كاسترو قد استخلص الأمثولة! سارع جان دانيال إلى ترتيب لقاء في هافانا بواسطة صديقه تشي غيفارا وصديق مشترك آخر هو الروائي اليخو كاربنتيه. وقبل شهرين كان جان دانيال قد طرح الفكرة على جان جاك سيرفان شرايبر، رئيس تحرير «الاكسبرس» التي يعمل فيها. لكن هذا رفض أن يضيع كبير محرريه «الوقت في هذه الأحلام». فحمل دانيال الفكرة إلى مجلة «نيو ريبابليك» الأميركية التي وافقت على الفور.

كان دانيال يحلم بكل شيء، بأصعب ما يمكن أن يحلم به صحافي في العالم آنذاك: أن يستقبله رئيس الولايات المتحدة التي عادت للتو عن حافة المواجهة النووية، أن يقابل بعد ذلك زعيم الدولة التي كادت تتسبب في فناء العالم، أن يلعب دور الوسيط بينهما. بل حتى أن ينجح في ذلك. لكن الذي لم يكن يحلم به هو أن يكون الشاهد على انفعالات كاسترو لحظة سماعه نبأ اغتيال ألد أعدائه.

المستعجلون على صناعة أو كتابة التاريخ هو عنوان الكتاب الأخير للمؤرخ الفرنسي الحديث جان لا كوتور عن أبرز صحافيي فرنسا منذ القرن السابع عشر وصولا إلى جان دانيال. وكم هو ممتع أن يقرأ المرء عن أبناء المهنة بقلم أحد كبار المراسلين السابقين.