العراق مرحلة اختبار الأجنحة العسكرية

TT

بدون أدنى شك، فإن الـ 18 شهرا المنصرمة، قد شهدت استحضارات واسعة للأجنحة العسكرية الفاعلة في العراق، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أطراف رئيسية، بعد أن أصرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، على الانسحاب من المدن إلى قواعد عسكرية ثابتة في العراق.

أما الأطراف الثلاثة، التي أعدت العدة لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية في العراق، ووضعت الخطط اللازمة لأجنحتها العسكرية فهي:

أولا: الحكومة وأطراف العملية السياسية: فالحكومة التي تتشكل بالأساس من الأطراف المشاركة في العملية السياسية، ذات البناء الطائفي والعرقي، تدرك أن انسحاب القوات الأمريكية من المدن والقرى والشوارع ومغادرة 283 قاعدة ومعسكرا تتوزع على ست عشرة محافظة (عدا المحافظات الشمالية أربيل، سليمانية، دهوك) يعني بقاء أحزاب العملية السياسية من شخصيات ومقرات وأجهزة حكومية لوحدها في الساحة، وفي مواجهة مباشرة مع قوى مسلحة أخرى، فشلت القوات الأمريكية بكل ما تملك من إمكانات عسكرية، وأسلحة متطورة وطائرات مقاتلة ومروحية وأجهزة للتجسس والرصد والمراقبة، في التصدي لها ومنع هجماتها اليومية، ولهذا أطلقت زعامات العملية السياسية أواخر عام 2007 وبداية عام 2008 العديد من التصريحات تطالب فيها ببقاء القوات الأمريكية وعدم الانسحاب، وفي مقدمة هؤلاء رئيس كتلة التوافق د.عدنان الدليمي ورئيس الحزب الإسلامي طارق الهاشمي ورئيس الوزراء نوري المالكي وزعامات التحالف الكردستاني وآخرون.

إلا أن هؤلاء جميعا أدركوا الإصرار الأمريكي على الانسحاب، خاصة بعد أن هدد الرئيس جورج دبليو بوش أواخر العام 2008 بانسحاب فوري، في حال عدم التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن.

إن الأمر الواقع ، الذي أصبحت أمامه الحكومة وأطراف العملية السياسية، أجبرها على استنفار جناحها العسكري على أوسع نطاق، والمتمثل بالأجهزة الأمنية (قوات الشرطة والدفاع وجهاز المخابرات والأمن والأجهزة الاستخبارية)، وأطلقت حملات عسكرية واسعة (بشائر الخير الثانية في ديالى) وعمليات الموصل والبصرة، إضافة إلى الاعتقالات اليومية المتواصلة، بهدف اتخاذ إجراءات الردع المبكر، حتى لو تسبب وكما هو في الواقع، باعتقال مئات الآلاف وزجهم في السجون، وممارسة أبشع أنواع التعذيب بحقهم، وتكشف بعض التفاصيل الاحتجاجات والاعتصامات وإضراب المعتقلين عن الطعام، بسبب عمليات التعذيب الواسعة والبشعة التي تمارس بحق شباب ورجال وحتى نساء العراق، من قبل أجهزة حكومة المالكي الأمنية.

ثانيا: إيران: فرغم أن إيران، لم تظهر في تفاصيل المشهد العراقي بصورة مباشرة، إلا أنه لم تعد هناك صعوبة في مشاهدتها في جوهر العملية الأمنية والسياسية في العراق، وإذا علمنا أن الأجهزة الحكومية (وزارة الداخلية) وقوات الاحتلال الأمريكي، قد أعلنت خلال عامي 2007 و2008 عن اعتقال ما يزيد على 700 شخص سمتهم بقيادات (المجاميع الخاصة) المرتبطة بإيران، دون أن تأتي على ذكر أسماء هؤلاء، كما أنه لا الرأي العام في العراق، ولا الحكومة تعرف شيئا عن شخص واحد من هذه القيادات، وما هو مصيرها.

وهذا يقود إلى السؤال عن عناصر المجاميع الخاصة، فإذا كان كل قائد من (المجاميع الخاصة) يتزعم 250 شخصا على أقل تقدير، فبعملية حسابية بسيطة، نكتشف أننا أمام خلايا نائمة تابعة لإيران، يقدر عددها بما لا يقل عن 175 ألف مقاتل، تم تدريبهم في إيران وداخل العراق، ونتحدى في هذا المنبر أن تكون القوات الأمريكية أو حكومة نوري المالكي، إذا كانت قد كشفت عن أي اسم من قيادات (المجاميع الخاصة) أو المسلحين الذين تتزعمهم هذه القيادات. ويضاف إلى ذلك، ما يتم ترديده وعلى نطاق واسع، عن ولاء مطلق للكثير من قيادات وضباط الأجهزة الأمنية (الدفاع، الداخلية، الأمن الوطني) لإيران، وبما يمنحها إمكانية توجيه هذه القوات نحو الأهداف التي تخدم إيران.

ثالثا: الجماعات المسلحة: أقصد هنا جميع الجهات والفصائل والمجاميع المسلحة، التي أعلنت وقوفها ضد قوات الاحتلال الأمريكية، والتي رفضت العملية السياسية، ولا شك أنها لا تحتاج إلى عملية استنفار، لتضع برامج وخطوات دقيقة لعمليات تتناسب والمرحلة، التي تعقب انسحاب القوات الأمريكية، لأن برامج هذه الجماعات واضحة وطروحاتها معروفة من خلال أدبياتها، والتي تصر على هزيمة الاحتلال الأمريكي بصورة نهائية وإنهاء العملية السياسية، التي أسسها الاحتلال على ركائز طائفية وعرقية.

ومن البديهيات أن تنطلق هذه الفصائل من قناعات تذهب باتجاه ابتعاد القوات الأمريكية عن الإصابات المباشرة، ضمن أسلحتها التقليدية، ودراسة المتغيرات الجديدة، ووضع الخطط اللازمة في التعامل معها، وبما يمكنها من استمراريتها في العمل وتحقيق كامل أهدافها، في حال عدم طرح مشروع سياسي وطني عراقي شامل وحقيقي، لا يرتبط بأية جهة خارجية، ويخدم مصلحة العراق، ويحافظ على وحدته أرضا وشعبا ولا يفرط بهويته.

مرحلة الاختبار: بدون أدنى شك، فإن الأجنحة العسكرية الرئيسية، التي ذكرناها، ستحاول الدخول في حلبة صراع بعد الانسحاب الأمريكي من المدن، وسيكون دور القوات الأمريكية لصالح الأجهزة الحكومية، ولن تتحرك ضد المجاميع الخاصة لأنها تقدم الدعم المباشر للحكومة ضد الجماعات المسلحة، ما يفضي إلى الانفتاح على مختلف الاحتمالات.

*كاتب عراقي

[email protected]