حسافة!

TT

طلب مني مؤخرا المشاركة في رئاسة لجنة تحكيم لتقييم مجموعة مميزة من المبادرات التي قدمتها مجموعة طموحة من رجال الأعمال المبتدئين في العالم العربي، وهذا يأتي ضمن مشروع طموح جدا يقدم من قبل «شركة عبد اللطيف جميل» الرائدة في هذه المجالات بالمشاركة مع جامعة «MIT» الأميركية العريقة. والحقيقة كان كم الأفكار مبهرا ونوعية ونماذج الشخصيات مميزا، مما يبعث على الأمل والتفاؤل. ومن خلال الأحاديث الجانبية التي دارت بيني وبينهم في تلك المناسبة تبين لي حجم «القدوة» وأهميتها، التي كرستها الأعمال الفنية، سواء كانت سينمائية أو روائية أو مسرحية أو تلفزيونية، لرجل الأعمال، التي تظهره بمظهر المستغل والمنغمس في المحرمات، إلا أن هناك نماذج مشرقة ومشرفة لا بد من إبرازها وتسليط الضوء عليها والتوسع في سرد سيرتها وذلك من أجل التعمق في تجاربها والتعرف على الشخصية والتحديات التي مرت بها.

وليس غريبا أنك حين تجلس مع شاب مصري من رجال الأعمال فإنه يتفاخر بكل زهو عن تجربة رجل الأعمال الكبير طلعت حرب والإنجازات المبهرة التي قام بعملها لأجل بلاده وتنويع اقتصادها، وكذلك يتباهى الفلسطينيون حين يتذكرون إنجازات عبد الحميد شومان المصرفي العملاق ومؤسس البنك العربي وكيف تمكن من إنشاء كيان مصرفي مبهر وسط تحديات اقتصادية وسياسية عنيفة، وكذلك ينظر السوريون بالاعتزاز لإنجازات أسرة الدبس والشلاح والشوربجي، الذين تمكنوا من البروز بقوة في مجالات مختلفة ووسط جو مضطرب وغير مستقر، وفي لبنان الأمثلة كثيرة ممن تألقوا في الداخل والمهجر وفي مجالات متنوعة، ولكن، وفي وسط ذلك كله، كنت أجد السعوديين لا يتواصلون في هذه المسألة بالحماس نفسه وبالقدر ذاته من الدافع، مع العلم أن مجتمع الأعمال السعودي ولد نماذج أقل ما يمكن أن يطلق عليها كلمة «فذة» و«مبهرة».

السعودية ولد فيها العديد من الشخصيات الناجحة في مجال الأعمال.. شخصيات كتبت تعريفا بديعا لمعنى العصامية والعمل بشرف وأمانة، فمن ينسى عبد اللطيف جميل الذي حول مشروعا بسيطا كتجارة السيارات إلى شركة عملاقة ذات «ثقافة أعمال» استثنائية ونهج إداري مختلف يساهم بشكل نافذ وفعال في تطوير مفهوم الاقتصاد الوطني.

وهناك سليمان العليان الذي توسع بشكل مبهر في مجالات عدة شملت الصناعة والصيرفة والخدمات والتجارة بعد بداية متواضعة ولكن بجهدته ومثابرته وبنهجه كتب له النجاح العالمي والتألق الفريد. وهناك عبد العزيز القصيبي الذي كون كيانا اقتصاديا فريدا وانفتح على الصناعة بشكل جريء مقدما المواد والمنتجات لصالح قطاع النفط بشكل رئيسي فحقق نجاحات كبرى بالسمعة العطرة والتعامل الراقي فكسب حب الجميع واحترامهم.

وهناك سليمان الراجحي الذي حول فكرة بسيطة في التجارة إلى إمبراطورية متكاملة في مجالات متنوعة معتمدا فيها على مبدأ القدرة على التوفير وحسن إدارة المال وكون بذلك فكره الإداري الفريد، وطبعا هناك المبادر صالح كامل الذي أقدم على كم هائل من الأفكار والمبادرات قبل أي أحد سواء في الإعلام أو المصرفية الإسلامية أو الخدمات وغيرها من المشاريع. وطبعا معظم هذه الشخصيات كانت تحقق نجاحاتها بأمانة وشرف دون أن يفقدها ذلك شخصيتها الحقيقية، فلا كبر ولا رياء ولا تغير في الطباع، جعلوا المال تحت أقدامهم ليرفعهم، لا فوق رؤوسهم فيصغروا، وساهموا في أعمال الخير بقوة، فكانوا في خدمة المجتمع، وردوا الجميل بالكثير من المبادرات الكريمة قبل أن يتحول العمل الخيري إلى «موضة» وموجة أو إلى قسم داخلي لمسمى المسؤولية الاجتماعية.

طبعا هذه ما هي إلا أسماء ونماذج من رجال العصامية والخير الذين أنجبتهم السعودية، وذلك حتى لا تختلط ذاكرة الشباب بمن هو عصامي ومن هو «فهلوي»، فشتان الفارق بين الاثنين.

تجربة المشاركة في مبادرة الأعمال التي شرفت بالمشاركة فيها فتحت عينيَّ على فقر المعلومة للقدوة الموجودة بيننا، وذكرني بموقف معي حين طلبت من خطيب جمعة في أحد المساجد، لماذا لا يذكر نماذج معاصرة من رجال ناجحين في مهنهم ومتألقين في أعمالهم حتى يتمكن الشباب من رؤيتهم والتعايش معهم كعناصر حية من الواقع؟ فصاح في وجهي وقال: «يا أخي هذه بدعة!».. حسافة!

[email protected]